(قصة قصيرة)
" كلمة سر "
راقب لهو الأطفال ، وشاهد سعادتهم بالفانوس الجديد.
عادت إليه ذكريات أيام رمضان
الكريم والمدفع الذي يحشوه بالكبريت انتظارا لصوت المؤذن.
الأطفال يحتشدون حول المسجد ، والمدافع بمختلف الطرازت..!
ضحك ملء فيه وهو يذكر ذلك التعبير
العسكري.
نظر نحو الفانوس الذي يصدر أغان كنا نسمعها بمجرد حلول رمضان وتستمر الإذاعة في بثها.
اقترب الأطفال منه وهم يتباهون بما
يطلقه الفانوس من أغان..!
نظر أحمد للفانوس القديم محلي الصنع
قائلا:
لاينطق ، وبشمعة، لكن فانوسي بيتكلم
،و بيشتغل بالحجارة.
ابتسم وهو يمسك الفانوس و قرأ اسم
بلد الصنع..!
قال لابنه الصغير : صناعة صيني ، ويتحدث باللغة العربية ..!
زم شفتيه بدهشة وأعاد الفانوس لأحمد
قال بصوت هامس لايخلو من التعجب : يتكلم بمجرد توصيل مصدر الكهرباء.
نظر إلى هاتفه المحمول واستدعى نفس
الأغاني الرمضانية ، سمع بدايات الأغنية
ثم صمت الهاتف ،تذكر أنه نسي وضعه على الشاحن ، قال في غيظ :
جثة هامدة بدون الكهرباء..!
أشعل زر التلفاز ، واستدعى المفضلة
اختار قناة للأطفال ، وجدها تذيع أغان
رمضان الكريم.
ترك الأطفال فوانيسهم وتحلقوا حول التلفاز يستمعون بانصات ويرددون بسعادة :
أهلا رمضان.. رمضان جانا.
قالت الجدة:
الله يرحمك ياطلب .
تذكرت الجدة طفولتها و رددت مع أحفادها الأغنية بمهارة وصوت لا يخلو
من الحيوية أبهر سلوى.
قالت الصغيرة: صوتك أجمل من صاحب
الأغنية يا تيتة.
ابتسمت الجدة قائلة:
كانت أغنيتي المفضلة وأنا طفلة صغيرة
نادر آخر العنقود جلس على فخذها ، ناظرا إلى عينيها ، مستمتعا بحلو كلام
الأغنية متسائلا:
هل كانت الأغنية قديمة لهذه الدرجة
نظرة حزن تخيم على وجه الجدة فتتلمس شقوق الجلد وتشعر بخشونته
فتتناول بعض الكريمات المرطبة..!
عاد الأب محملا ببعض الطلبات المغلفة
فصاح الأطفال بفرحة :
هيييه .. بابا جاب كنافة ، لم يشغلهم
شيء سواها..!
تركهم الأب وانعزل في غرفته ،كان أمرا
بالغ الأهمية يشغله حتى أنه لم يسمع صيحات زوجته وهي تستغيث به ؛لينقذها من صخب الأطفال.
غرفته الخاصة كقمرة القيادة ، بها أزرار
ولمبات وتوصيلات معقدة ، وأجهزة إليكترونية مختلفة.
وضع الفانوس القديم إلى جانب فانوس حديث.
أشعل شمعة الفانوس القديم حين انقطع
التيار الكهربائي ، ووضع حجر البطارية الجافة في الفانوس الصيني ثم أطفأ
الشمعة مكتفيا بالضوء المبهر الذي يصدر
من الفانوس الحديث ،و استمع للأغنية باللغة العربية :
تسائل عن مغزى كلمة وحوي يا وحوي
السؤال دفعه لاستدعاء معلومة عرفها
حينما تعلم لغة الآلة ، ردد المصطلحات
باللغتين العربية والإنجليزية :
صفر معناه انقطاع التيار الكهربائي وواحد تعني وجوده ، والحرف سواء باللغة الإنجليزية أو باللغة العربية مكوناته عدة اصفار وعدة وحايد ..!
منبهرا بالمعلومة كتب الأغنية كاملة على
ورقة ،ثم فرد حروفها حتى يترجمها للغة الآلة ،تصبب عرقا فالوقت ظهيرة
في منتصف شهر يوليو قائظ الحرارة
بالإضافة لانقطاع التيار الكهربائي..!
نظر للوحة الكهرباء داخل الفانوس الصيني ، وجدها بوحدات صغيرة تستعصي على الرؤية فأحضر نظارته
وتلمس المكتوب عليها من أرقام وحروف لها مدلول.
عرف أنه باستخدام أدوات دقيقة يستطيع تعديل الأغنية ولكن مع نتائج
كارثية تؤدي إلى تلف الوحدات الدقيقة.
قال وهو يبتسم :
لا داعي للتجربة العملية فقد وصلت للسر الحربي.
أغلق غرفته ،وخرج للأطفال ينصت بسعادة لأغانيهم التي ظلوا يتبارون في تشغيلها وهم يتحلقون حوله سعداء بعودة التيار الكهربائي وعودتهم لقناتهم المفضلة على التلفاز ، يتابعون برامج المسابقات ،بينما فوانيسهم صامتة .
نظر الأب للجدة ،ثم اقترب منها قائلا:
طفولتنا غير طفولتهم.
قالت الجدة :
كنت أتعجب سلوكك ولعبك ،واليوم أشاهد أبناءك بصورة تبهرني.
عقولهم واهتماماتهم أكبر بكثير ، لا ينفصلون عن هواتفهم المحمولة وهم مشغولون بمشاهدة التلفاز ،وبجوارهم فوانيس تتكلم و بالعربي ، تصور أنها بلغتنا العامية المصرية كمان ..!
قال الأب:
إلتقطت طرف الخيط وسأبدأ خطتي
حتى أستطيع تصدير فوانيس مصرية للصين بلغتهم التي أجهلها ،وأشك أنني
سأتعلمها في يوم من الأيام..!
ضحكت الجدة حتى ظهرت نواجذها
بينما كان الأطفال يتهيئون للذهاب للمسجد و في أيديهم مدافعهم الكبريتية.
طلقات المدافع هادرة ومتتابعة تأتي
بعد استهلال المؤذن أذانه بكلمات لها وقعها حتى يتهيئون للإفطار بسعادة.
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق