(قصة قصيرة)
" إبن بطوطة "
تصفح كتاب في مكتبة جده ، جذبه اللون الفضي للغلاف ، وأبهره الصفحات بلون أبيض ناصع، والأطراف بلون الذهب ، قرأ تاريخ الطباعة واسم دار النشر ، شهق دهشة عندما حسب الزمن.
أبهره أن الكتاب على حاله كأن عوامل
الزمن لم تمتد إليه ، بياض الصفحات عجيب عندما قارنه بكتاب دراسي مر عليه عدة شهور .
كانت الصفحات ناعمة كالحرير
و الكتابة بارزة بلون أسود داكن.
صفحات الكتاب تعدت الألف ، وكان أهم
مايميزها وجود الصور العجيبة لحيوانات لم يعد لها وجود ، فقط سمع عنها في كتاب الأساطير .
وخرائط للأرض ليس فيها قارات أمريكا
شمالها وجنوبها ، فظهر الجانب الغربي باللون الأزرق حتى لامس الجانب الشرقي من قارة آسيا ، وجنوبها ينتهي باليمن السعيد، وحدود قارة إفريقيا الجنوبية بينما ساد اللون الأزرق حتى قبل الشمال حيث ظهر لون الثلج ببياضه الناصع ، لم يجد نيوزيلاندا ولم يقابله أرض أستراليا ، فقط شاهد مجموعة جزر صغيرة متناثرة في المحيط الهندي ..!
عاد إلى الغلاف و راجع إسم دار النشر
وجد عدة حروف ظنها لغة عربية ولكنه
أدرك الخطأ فلم تكن كذلك ولكنها قريبة
الشبه إلى حد بعيد ،حاول نطق الكلمة بحروفها كاملة فبدا كطفل يتعلم حروف
الهجاء.
اكتفى بمشاهدة المناظر الطبيعية التي ظهرت بعد عدة خرائط تبدو فيها القارات الثلاث متقاربة أكثر من وضعها الحالي ، أحضر كتاب أطلس الذي استلمه بداية العام الدراسي وعقد مقارنة ،اندهش من النتيجة حين وجد التباعد كبيرا في كتاب أطلس .
راعى في المقارنة مقياس الرسم.
خرج بحقيقة أن المسافة تتسع ، دارت
رأسه و شعر بتعب غريب ،ثم غاب عن الوعي..!
جذبه سحر الكتاب للتعرف أكثر على علم الجغرافيا ، فظل داخل المكتبة كرحالة يسبح بين صفحات كتبها.
كان يجمع المعلومة ويدونها بجانب أختها .
انقطعت صلته بالعالم الخارجي بصورة تقريبية ؛ فهو يقتات غذاءه في حقيبة حافظة للصلاحية وتقوم باعدادها أمه التي حار أمرها معه ، ولم تجد شكواها لوالده الذي بدا عليه الإرتياح من شغف ابنه على القراءة بدلا من الفراغ الذي كان ينذر بالانضمام لجماعات تلعب على عقول الصغار وتستغل حميتهم وثورتهم.
توقف عند معلومتين ، كانت الأولى عن الطوفان والثانية عن وجود شعوب
في البلاد الجديدة قالوا أنهم سكان البلاد الأصليين وسموهم الهنود الحمر
حاول تغليب تاريخ على تاريخ ، مال
إلى وجود الطوفان قبل وجود الهنود الحمر ،بحث في الخريطة عن قمة جبل الجودي ،كانت لديه صورة مكتشفة حديثا لسفينة نوح ،حاول استعادة القصة منذ تكوين السفينة وحتى حدوث الطوفان ، جذبه الحوار الذي
دار بين نبي الله "نوح" وابنه العاق..!
أدهشه عناد الإبن حين قال:
سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، واهتز حين كرر كلمات الأب: لا عاصم
اليوم من أمر ربي..!
بهره الخيال حين هام مع نص الآية القرآنية : وهي تجري بهم في موج كالجبال..!
ارتعد جسده بشدة ،و يتراءى أمامه سماء تمطر دون توقف ،وأرض تخرج ماءها بفيض لا ينقطع...!
رجع للخريطة في كتابه القديم وتخيل منظر السفينة ،قرب صورتها فوجدها مغلقة من كل الاتجاهات ،وهاله أنها ظلت أربعين عاما تخوض الأمواج العاتية حتى جاء أمر الله فابتلعت الأرض مياهها وأقلعت السماء عن الإمطار..!
رجح أن يكون هذا الحدث بأهواله
هو تاريخ البداية .
انشغل بحال الهنود الحمر وكيف سكنوا
بلاد بعيدة وعاشوا بمعزل عن العالم كله.
وضع خط وهمي بين بلاد الهنود في قارة آسيا والعالم الجديد من جهة الشرق إلى أقصى الغرب.
قرب خياله المسافة بين الأرض هنا وهناك حتى تباعدت الأرض عاما وراء عام كسفينة حركت قلاعها عاصفة هوجاء.
احتسب الزمن فوجده آلاف كثيرة ،
عاد إلى عالم اليوم حين خرج من مكتبته أخيرا.
أراد مشاهدة أحد أفلام هوليوود ، كان
يجذبه الكاوبوي وحروبهم مع الهنود الحمر ، ضرب رأسه بيده بقوة وتلفظ
بجملة وجدها تناسب وصف هؤلاء اللصوص الذين اقنعونا بأن الهنود حمر
وبدائيون..!
عاد إلى المسجد الأقصى وبناءه القديم
واسترجع خرائط فلسطين وأفلام تعرض شوارعها ،وجبالها ،وأشجار الزيتون ، والبحر الميت ، قرب أهل فلسطين من الهنود الحمر ،قال :
نفس المفعول به والفاعل واحد ، ظل يصرخ وهو في حالة من الهياج مرددا
الكلمات بحرارة وعصبية :
يا أولاد القرود.. يا أولاد الخنازير
حتى اختل توازنه وغاب عن الوعي.
فحصه الطبيب النفسي وأوصى له
بالابتعاد نهائيا عن وسائل الإعلام
بجميع انواعها.
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق