(قصة قصيرة)
(الغريب)
شعر بوجوده ؛فنظر في ساعة اليد التي لا تفارقه قائلا:
مواعيدك مضبوطة أكثر من ساعتي..!
كانت إبتسامته على التعليق محيرة.
قابل ابتسامته بسؤال:
لماذا تأتي في هذا الميعاد ولا تخلفه
ولو لمرة واحدة؟!
اتسعت حدقة عينه اليسرى وبقيت اليمنى على حالها وفرك جلد رأسه
بحركة سريعة ثم قال:
أحب صحبتك كثيرا ،وهذه اللحظة
يعم السكون وتخلو لنفسك وتحتاج
لصديق تفضفض له ،ويخفف عنك .
هل تصاحبني في نزهة على النيل؟!
واستدرك قائلا:
أدرك أنك تنتظر أذان الفجر،و لكن لازال
أمامنا متسع من الوقت ..!
كم هو جميل ذلك النسيم في هذا
التوقيت ، والأجمل هو منظر مياه النيل
تنساب رقراقة مع سكون أحبه كثيرا.
نظر نحوه بابتهاج وسعادة قائلا:
أراك شاعرا رقيق الكلمات،وتجيد نظمها
بابداع .
لاحت ابتسامته وإنفرجت أساريره
وبدت عينه اليمنى متسعة ،بينما اليسرى
تضيق حتى يغلقها تماما .
أشجار السرو سامقة تلعب بأوراقها ريح خفيفة فيسمع أصواتها كموسيقى عذبة
يسيران جنبا إلى جنب حتى بدت أشعة الشمس تتسلل بين فروع الأشجار وبدا قرص الشمس في إزاحة غيمة السحاب
وبدا ظله دون ظله فانتابته الحيرة
والتساؤل ،ولكنه آثر كبت مايعتريه خاصة أنه يدرك الطبيعة المختلفة لكليهما .!
يشعر بسعادة لهذه الصحبة ،ويدرك
قدر ارتياحه بوجوده بجانبه .
يعيده متمنيا كل السعادة فيلج
إلى غرفته كطائر الكناري ،ويستلقي
حتى أذان الظهر ..!
حين استيقظ شعر براحة لم ينلها
منذ زمن وشرع في دخول الحمام
فوجده باسما ووجهه يتسع منيرا
وعيناه تتسعان معا ، فبادره بالسؤال:
لماذا عدت ثانية ؟!
ضحك بصوت لم يعتده قائلا:
اعتدت صحبتك حتى جافاني النوم
وشعرت بحاجتك لي فلم أتأخر عنك
دعنا نتناول طعام الإفطار سويا ،ثم
نذهب في رحلة نيلية ستعجبك ..!
الفطور الشرقي المعتاد ، مع القهوة الساخنة ..!
كان يأكل بنهم وسرعة ويتلذذ بالمذاق
حتى عاد للمطبخ واعد وجبة أخرى
، أمسك فنجانه وعبث بأصابعه ثم
قال :
أنظر إلى الدائرة ،ودقق النظر سترى
جزيرة غير مأهولة ،ولكن اللون الأخضر يسودها .
تعجب من الأمر فما يقوله يشاهده كأنه
فيلم سينمائي داخل فنجان غاية في الصغر ..!
ابتسم في سعادة ونظر نحوه قائلا:
أشعر بالمتعة بجانبك ،وقدرتك غير
المحدودة تدهشني ، ولدي سعادة
غير محدودة بصداقتك .
عاد إلى غرفته وفتح دولابه ،وانتقى
قميصا بلون قرمزي محبب وبنطال أسود داكن ،وجورب أبيض ، وحذاء أسود غطيس ،ونظر لهندامه في المرآه ،بدا خلفه وصورته تعكسها المرآه ..!
ولجا السلم الحلزوني بسرعة خاطفة
والتهما الشوارع في لمح البصر حتى
بدا القارب يلامس الشاطيء ..!
ضحكا معا واندفعا داخل القارب بسعادة.
النسمات تداعب الوجوه والجزيرة تبدو
على البعد حتى تماست مع القارب .
الصخب وصوت المزمار ودقات الطبول
يسمعونها حتى تضج بصوت عال مخيف ، هاله ما رأى وسمع ، وتذكر كلماته بأنها جزيرة غير ماهولة ..!
لم يصدق كذبه ، فإيمانه به عميق ، وتعلقه به ليس له مثيل ..!
الأجساد سامقة كأشجار السنديان ، والعيون جاحظة بلون الدماء ،والأقدام
عارية كجذور شجرة جميز عتيقة ، وصديقه يتحول مثلهم حتى شعر بالفزع والرعب يفرك عيناه ويدقق فيما
يرى وعيناه تنصرفان نحو القارب الذي لايبدو له أثر ، الشمس توشك على الغروب تلامس صفحة الماء ،وهو وهم
داخل كهف حالك الظلام ،يغيب في نوم
عميق وحين يستيقظ يجد قيود وأغلال
تمنعه من الحركة والدوران ،ينظر للسماء
ويناجي ربه ،فيتذكر موعد اللقاء الذي
كان ينتظم فيه فلا يخلفه يوما ..!
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق