(قصة قصيرة)
(الأرجوحة)
جاء صوته هادرا وسط جمع غفير مرددا نص الآية الكريمة:
"أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم"
وعقب قائلا:
من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فالله حي لايموت" فهدأت ثورة الجموع ،وقال عمر :
وكأنني أسمع تلك الآيات للمرة الأولى..!
سار في أسواق المدينة ، وتفقد شئون الرعية ، وحمل على كتفه جوال الطحين
وطرق باب فقراء يئنون من الجوع ، وصنع لهم الطعام فهدأت نفسه.
جلس على فراش من الحصير ووضع
تحت رأسه حجرا ، واستظل تحت شجرة وارفة حتى غاب في نوم عميق..!
قالوا:
كليوباترا في نزاعها مع شقيقها حتى جيشا الجيوش وتصارعا فكاد يصرعها ، هربت سرا إلى روما ، ومنحت نفسها قربانا لقيصر وولدت ذكرا أسمته بطلميوس قيصر ، وعادت تحت لوائه ؛ لتتخلص من الشقيق وتسود القصر المنيف ، وبين مارك أنطونيو وقيصر تحركت مشاعرهاحتى مات أنطونيو ، وتجرعت السم لتلحق به.
قال لعمرو :
إن الفساد استشرى في مصر ، وسادت الوثنية ، وأن الشعب من طغيان قيصر
فعبر بحر القلزم وسار بجيشه نحو البوابة الشرقية حتى فتحها ، وتهلل
العامة واستبشروا خيرا..!
قال عمرو وجعلت الأرض مسجدا وطهورا..
الشوارع تضج بالمارة والزينة سمة المكان ، والصغار يتعلقون في ثياب أمهاتهم يتوقون للحلوى ، والحلواني
لا يدخر جهدا فيطبع كل شيء بخصوصية تجذب القريب والبعيد حتى بدت مصر عروسا تتأنق وترفل في ثوب من العز ، فينشد الشعراء قصائد المحبة لها ولحكامها ..!
عاش ليال الأنس في شارع محمد علي..!
جلس على طاولة في كازينو بديعة ، وطالع بعين شبقة صدور الراقصات ، ومال مع تموجات أجسادهن،ثم نهض
فزعا مستغفرا ربه ، حولته المياه الباردة
لناسك يخشع ويتبرك بالعتبات المقدسة
صعد على المنبر مخاطبا الجموع بصوت لايخلو من نبرة الحزن مفتتحا كلامه بالصلاة والسلام على خير الأنام ، كانت
الوجوه مستبشرة بعهده حتى قتلوه..!
صارت الجلبة بسوق المدينة ،قالوا:
اللص حمل كنوز قيصر من مصر ورحل بها سرا في قارب تحت جنح الليل قاصدا روما ، قال العامة :
ومن أين لقيصر الكنوز وهي من خير مصر ،وكيف يهرب بها ويترك مصر تئن
قال الرجل :
ليس مصريا ،ولا يعرف له أبا ، منحت أمه نفسها لعابري السبيل فلطمه آخر
صارخا في وجهه :
إنه ولي النعم ومن غيره نموت..!
كانا يأكلان خبزا مبللا بالماء لسد الجوع
ويبتسمان وهما يشدان حزاما على بطن
خاوية..
قال الآخر :
اليوم ضيق وغدا سعة ورغد ،فهمهم عجوز في زاوية من بناية قديمة حتى
افتر ثغره عن ابتسامة ساخرة ، فنظر نحوه متسائلا:
مر عليك الحكام ياجدي فلعلك تدرك ما يستعصي على فهمنا..!
عادل عبد الله تهامي السيد علي
مصر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق