فريدا كاهلو
الرسامة و المناضلة المكسيكية
لمدة أسبوع من ليالي الخريف الباردة، وفي ليلة تميزت بخسوف القمر. ترافق امرأة محترمة قرارا اتخذه زوجها بالتوقف عن تناول الأدوية التي أصبحت عديمة الفائدة، لتشاركه في آخر ساعات حياته بقراءة شرائح من كتاب "فريدا " للرسامة العظيمة فريدا كاهلو...
كان يقرآن معا وبصوت واحد وكأنهما يذكران السيرة الذاتية للرسامة المكسيكية :
أتذكر أنك، في الشهرين الأخيرين من حياتك، همست في أنفاسك: إنك جيدة.
كنت متلحفة حتى رقبتك بورقة رقيقة حيث تغطي آثار الطلاء أسفلها نظرت إليك، كنت مستلقية، هيكل عظمي، وجهًا بملامح مرسومة، أجوف جدًا، جلد مقروص على عظامك غالبًا ما تظهر هذه الصورة لك وتغمرني... حزن قاس يسحقني كئيب على خسارتك...
نظرت إليك بفارغ الصبر لقد استمعت إليك بصبر يكاد ينفد يبدو أنك تشرحين لدي بعض الأشياء لتخمينها وفهمها وتذكرها تريدين الوقوف ليس ممكنا السرير منخفض جدا.
تشبثت بمقبض الباب... تسقطين. أدفعك... أسحبك... أبكي .
أشرت لي بأن آتيك اللوحة الشهيرة «بين الستائر»، التي رسمتيها لليون تروتسكي الروسي في عيد ميلاده، كنت تمسكين ورقة كعقد لحبكما، كنت تقدمي نفسك بطريقة أنيقة مرتدية تنورة طويلة مطرزة وشالاً مهدبًا، ومجوهرات ذهبية دقيقة. زهور ولفائف من غزل أحمر تزين شعرك ومكياج بشكل بارع يسلط الضوء على ملامحك.
كان تروتكسي زعيمًا ثوريًا روسيًا، هرب من ستالين، وطلب اللجوء من زوجك دييجو ومنك، وبعد عامين من اختبائه في بيتك الأزرق، بدأت علاقة حب سرية بينكما، لكن في نهاية المطاف انتهت عند علم زوجته فانتقلتما من بيتك الأزرق إلى بيت أختك الخائنة التي خطفت منك زوجك وكان آنذاك معكما اللوحة كتذكار وكأنك تنتقمين من أختك ومن زوجك وكان تروتسكي هو سلاحك الساحق.
كنت يسارية حتى النخاع.
كنت الرسامة الأشهر في القرن العشرين
رسمت بغزارة لتواجهي ألم الفقد، ورسمت نفسك في ثلث أعمالك لكشف معاناتك... وكأنك تطردين الأرواح الشريرة من جسمك... أنك مثالًا حيًا على ولادة الموهبة من رحم المآسي.
يا فريدا، أصبحت أيقونة من أيقونات التمرد في عالمنا صورتك اليوم مع صورة ڨيفارا واحدة من أكثر الصور استعمالا تتعاهدها الأجيال الثائرة.
صرخت في وجهي عازفة على عطفي القاتل:
"عطفت على أختي فخانتني مع زوجي.
عطفت على زوجي فخانني مع كل صديقاتي
أكره العطف."
فلهذا قاومتي خيانات رفيق عمرك وحياته المنفلتة بحياة عزمت أن تكون مضادة ولكن تبنيت فيها الممارسات نفسها، ارجعت عليها بكل هدوء.
دافعت عن تروتسكي رغم انتمائك للحزب الشيوعي المكسيكي المتحالف مع ستالين... هل هذا عشق أو انتقام ماكرة؟
كان بيتك وجهة لمثقفي العالم الذين انخرطوا في موجات من النضال من أجل التغيير ومواجهة خطر الفاشية في العالم ومن هؤلاء: بابلو نيرودا وأندريه بريتون وسيرجي أيزنشتاين، بالإضافة لنجوم السينما والسياسيين ورجال الأعمال.
تختنقي وتواصلي غضبك أثناء الحديث:
-- "أنا أرسم نفسي لأني أقضي وقتاً طويلاً وحيدة ولأني الشخص الأفضل الذي أعرفه."
رافقني الرسم مدى حياتي، اكتشفت من خلال هذا الفن الذي استخدمته في البداية لقتل الوقت في بحر من الأيام والشهور التي لا تنتهي وأنا مضطجعة في سريري، هذه حقيقتي الخاصة:
"ما هو كريه، وما هو مؤلم، باستطاعتهم أن يحملونا إلى حقيقة معرفة أنفسنا."
تنظر المرأة المحترمة إلى زوجها مبتسمًا يبدو أنه يتابع حديثها إنه حاضر وواعي عندما تقبله، تستجيب شفتيه دائمًا للقبلة. في الليل صوت أنفاسه أجش لاهث ترافقها حتى الفجر.
في الصباح الباكر غادرها والنور في عينيه.
بعد يومين، و كأن القدر كان يراقبهما ، توفيت فريدا كاهلو في مكسيكو سيتي في عام 1954. رسمياً ماتت بسبب انسداد رئوي، لكن البعض يعتقد أنها تناولت جرعة زائدة من مسكنات الألم، ماتت مبتسمة و كانها رحبت بإنهاء معاناتها.
وبقى عالم الفن يتيم...
الكاتب
عبدالفتاح الطياري.
9/3/2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق