رحلة الإسراء والمعراج
معجزة مَهيبة تجاوزت حدود الزمان والمكان.
لم تكن حدثًا عاديًّا؛
بل كانت حدثًا تاريخيًّا غاية في الأهميّة، ومنعطفًا رئيسيًّا في تاريخ الدّعوة الإسلاميّة.
حصلت المعجزة ليلاً سنة 621م ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة من البعثة النبوية،في شهر ربيع الأول
وقيل قبل خروجه إلى المدينة المنورة بسنة.
كانت الرحلة مكافأة من الله جلّ وعلا للنبي بعد فترة من الصبر والدعوة لعبادة الله الواحد، لجمع قبيلة قريش تحت راية التوحيد ونبذ عبادة الأوثان.
استمر إيذاء قبيلته له ولمن آمن معه؛ مايزيد على عشر سنوات وازداد تعرضه
للضغوط والآلام والحزن خاصة بعد حصاره هو والمؤمنين في شعب أبي طالب ، ومالاقوه من تعذيب وتجويع ومقاطعة ...
لقد ضاقت به الأرض بما رحبت
ماتت زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها؛ والتي كانت خير عون له في دعوته، ثم تلاها موت عمه أبي طالب، ليفقد بذلك الحماية التي كان يتمتع بها، حتى تجرأت قريش على إيذائه والنيل منه .
هنا قرر نبينا الكريم أن يذهب إِلى الطائف لعل أهلها يؤمنون بدعوته ...
لكن أهلها لم يستمعوا له بل كانوا أسوأ من أهل مكة فقد طردوه وسبوه وآذوه وسلطوا صبيانهم عليه.
مما اضطره للعودة إلى مكة حزيناً كسير النفس .
كان هذا العام عام حزنٍ ، لأن النبي لقي فيه الأذى الشديد والألم والتعب.
عاد النبي من الطائف إلى مكة مهموماً، ليس بسبب ما رآه من أذى فقط، بل بسبب خوفه على الدعوة وألا يجد مكاناً صالحاً لانتشارها...
غير أن مشركي مكة حالوا بينه وبين دخول مكة، فقد منعوه من دخول بلده؛
حتى جاء مُطعم بن عدي وهو سيد من سادات قريش فسمح له بالدخول.
ذهب النبي محمد إلى المسجد الحرام وطاف حول الكعبة ولجأ إلى الله يدعوه قائلاً :
"اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي.. وِقِلَّةَ حِيلَتِي.. وهَوَانِي عَلى الناسِ.. يا أرحمَ الراحمينَ.. أنتَ رَبُّ المُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أَوْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَليَّ غَضَبٌ، فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمُاتُ.. وَصَلحَ عَليهِ أَمْرُ الدُّنيا والآخرةِ، مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يِحلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ… لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى.. لَا حَوْلَ ولَا قَوَّةَ إِلَّا بِكَ"
في ظل كل هذه المآسي التي مرت به، أراد الله -تعالى- أن يُسَرّي عن نفس نبيه ويُرَفّه عنه، فكانت حادثة الإسراء والمعراج.
هنا تبدأ القصة :
بينما كان النبي الكريم يستريح في الكعبة
نزل الوحي جبريل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بصحبة ملكين آخرين ، فأخذوه وشقوا صدره ، ثم انتزعوا قلبه وغسلوه بماء زمزم ، ثم قاموا بملء قلبه إيمانا وحكمة ، وأعادوه إلى موضعه .
جاء جبريل عليه السلام بالبراق ، وهي دابة عجيبة تضع حافرها عند منتهى بصرها ، فركبه النبي - صلى الله عليه وسلم – وانطلقا معا ، وأسري به إلى المسجد الأقصى في بيت المقدس .
هناك وجد الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فصلى بهم النبي ركعتين .
قال تعالى :
{ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }(الإسراء الآية: 1 )
ثم عُرج به إلى السموات السبع العلى من بيت المقدس ،
التقى هناك بعدد من الأنبياء منهم: آدم، ويوسف، وإدريس، وعيسى، ويحيى، وهارون، وموسى، وإبراهيم- عليهم السلام-
- رأى الجنة ونعيمها وأنهارها ومنها نهر الكوثر.
- رأى النار ومن يُعذّب فيها.
- سمع النبي صريف أقلام الملائكة.
- رأى البيت المعمور الذي يقع في السماء السابعة ويدخله الملائكة.
- رأى سدرة المنتهى،
- ثم حانت أسعد اللحظات إلى قلب النبي – صلى الله عليه وسلم ؛ حينما تشرف بلقاء الله والوقوف بين يديه ومناجاته ، لتتصاغر أمام عينيه كل الأهوال التي عايشها ، وكل المصاعب التي مرت به ، وهناك أوحى الله إلى عبده ما أوحى .
قال تعالى: (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى)
حيث رأى هناك الآيات العجيبة.
قال الله عز وجل:
(لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى )
وهناك فُرضت الصلوات الخمسة في ذلك الوقت، وقد كانت خمسين صلاة، وخُفّفت إلى أن وصلت إلى خمسة .
ثم نزل نبينا الأعظم
إلى الأرض وعاد إلى مكة المكرمة في نفس تلك الليلة.
وصل اللهم على نبينا وسيدنا وشفيعنا ومعلمنا وأسوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
الكاتبة
فاطمة رشيد معتوق.
8/2/2024