نبض نخلة: شاءت الأقدار//الكاتبة إكرام التميمي

الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

شاءت الأقدار//الكاتبة إكرام التميمي

شاءت الأقدار


العلم يبني بيوتا لا عماد لها 

                            والجهل يهدم بيت العز والكرم         


ها هي أحلام ذات العشر سنوات... فتاة صغيرة تبدو ملامح البؤس ظاهرة واقع حالها . 

ثياب قديمة شعر أشعث منكوش... فتاة تحلم بغد أجمل... تحب المطالعة والكتب ... تحب الدراسة فهي متفوقة في مدرستها، أشاد معلموها بمستواها التعليمي... 

كانت تحمل على عاتقها أعباء جسام ...فوالدها الرجل القاسي السكير، لم يترك لها مجالا للشفقة... فعليها اعالة إخوتها الصغار ...هو لا يعلم حجم ألمها كل ليلة... فهي تذهب صباحا للمدرسة... ثم تعود إلى الشارع بعدها... تبيع الزهور أحياناً أو الحلوة أحياناً أخرى . 

تبيع كرامتها كل يوم على الطرقات... من أجل حفنة من النقود تطعم بها إخوتها الصغار... 

 هو لا يهتم لحالها الذي بدأ يسوء... والجوع والفقر ينهش جسدها الهزيل يوما بعد آخر . 

من يرأف بحالها بعد وفاة والدتها. .. 

كانت تحلم أن تصبح كاتبة، تكتب عن الآلاف من المشردين في الشوارع كحالها... عن أهل المخيمات والملاجئ... فهي تعاصر أحداثا جسام... شظف العيش بادية على ملامح أحلام وأسرتها... 

والدها رجل قاسي ... لم تحلم يوما بأن يربت على حزنها أو يشدد من أزرها... لم يحاول يوما أن يوقظ مشاعر أبوته الغافية... كان بالنسبة لها اسم في البطاقة، أو في شهادة الميلاد... ذات يوم كانت قد عادت متعبة من العمل... أخذت كتابا تقرأ فيه، فهو شغفها الذي يزيح عنها التعب ويمنحها القوة كي تستمر؛ 

فالعلم نور كما كانت تردد كل يوم . 

عاد والدها مخمورا إلى البيت... 

كان غاضبا ثائرا... لا تعلم لذلك سببا...رأها تحمل كتابها وتقرأ بشغف... كان كالثور الهائج أسرع واختطف الكتاب من يدها ورمى به على الأرض مهددا إياها بتمزيقه أن رأها تقرأ . 

مدت يدها المسكينة لتلتقط كتابها... فسحة الأمل التي تعيشها للحظات... لكنه كان الأقرب والأسرع ليضغط على عروق يدها بقدمه الكالحة التي يبدو عليها شظف العيش  . 

صرخت بكت: أرجوك يا أبي دع يدي دعني لأحلامي... 

فأنا لم اقترف خطأ...! 

علا ضجيج صرخاتها من الألم... 

لم يرأف بحالها... 

لم يسكن ألمها... 

هددها مجددا: منذ الغد لن تذهبي للمدرسة... 

ستعملين منذ الغد وجدت لك عملا في أحد البيوت . 

أرجوك يا أبي... دعني أكمل دراستي... 

أرجوك يا أبي... 

اترك يدي... 

خبا صوتها شيئا فشيئا...

أمام جبروت الأب القاسي . 

وشاءت الأقدار أن تكون تلك الليلة هي المنجاة لها من الفقر والجوع والعوز... فقد انتقلت لبيت رأف لحالها...وساهم في نجاتها من الجهل... فقد تم تدريسها على نفقتهم الخاصة... وأخذوا بيدها إلى النجاح... وها هي اليوم ترأس إحدى أهم الشركات... ولكن مازالت تلك الغصة تراودها كل حين . 


الكاتبة 

إكرام التميمي.

5/12/2023‪



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زواج القاصرات//الكاتبة فاطمة رشيد معتوق.

 زواج القاصرات من أسباب تفشي ظاهرة زواج القاصرات   عند بعض الأسر : الفقر: ويعد من أهم الأسباب المؤدية إلى هذا الزواج  الذي ينتشر بشكل كبير ف...