فصل الشتاء
الموسم السنوي الذي ينتظرونه حل أسرع مما كان مقدرااً له، وهذا ما أثار استغراب الجميع وأيقض قلق النسوة اللواتي لذن بصمت مطبق في الأونة الأخيرة، فلم يعدن يثرثرن كعادتهن عن موجة البرد القادمة حيث سيتوقف كل شيء كانوا يظنونه أسوأ ماسيواجههم وربما سيتغير مصيرهم لاحقاً ...
هذا ما كان يعتقده الجميع .
كانت الساعه تشير نحو الثامنة مساءً والسماء بدأت تعج بالغمام وبرق يسطع أفق الغيم، رعدٌ يقتل ضجيج الصمت والرياح تزمجر بالرعب والوعيد بالويل، وخيام تتطاير تفلت عقال الحبال المربوطة بأحكام من شدة الريح .
هذا الشتاء كان أشد وطأة من سابقه،فها هو يشهر أسلحته، ويقطع خطوط الامداد للطعام والشراب،
وها هو الصقيع يتسلل الخيمة من شقوقها .
لقد اشتدت العاصفة الرعدية وتراكض الرجال لتأمين الخيام ببعض الصخور كي لا تطير خيامهم .
هناك في الخيمة كانت تقبع "أحلام " الطفلة ذات العاشرة من عمرها في زاوية الخيمة تلف جسدها بغطاء لا يكاد يقيها البرد هي وثلاثة من إخوتها الصغار ،فتضمهم لحضنها كأم رؤوم .
لقد كان للشتاء الفائت ذكرى سيئة في نفسها .
فقد قضت والدتها نحبها من شدة البرد بعد أن أنجبت طفلها الصغير آخر العنقود علي.
كانت أحلام تشاهد والدها وهو يحاول جاهدا إغلاق الهوة التي أحدثتها الرياح .
صقيع يجتاح الجميع وأطفال تصطك أسنانهم من شدة البرد والجوع تتعالى أصوات الأطفال في المخيم، فبطونهم خاوية لم يدخل الطعام إلى أمعائهم منذ يومين إلا الفتات .
ازداد الوضع سوءاً بتساقط الثلج، تجمد الدم في العروق،أرواح تئن الألم.
في الصباح علت أصوات النسوة الثكالى،فلم يكد يخلو بيت من فقيد ينوحه الأباء أو الأبناء .
أما أحلام فقد حمدت الله أن الجميع ينعم بالسلامة وجُلُّ أمنياتها أن يطالعها العام الجديد وهي وأسرتها في خيمة تنعم بالدفء وراحة البال .
الكاتبة
إكرام التميمي.
14/11/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق