رواية المفقودين الثلاثة
كتبت الدكتورة الباحثة في تاريخ جمعية تبشير شمال أفريقيا، أطروحة "حملة تحويل الهوية من خلال التدريس":
"إنه النقيض التام لعالم بلا إيمان أو قانون.
هناك قواعد ورموز وحتى هيئات محلفين.
مرحبا بكم في عالم قطاع الطرق.
ارتبطت انتفاضة الفراشيش سنة ألف وتسعمائة وستة بسوء الظروف المعيشية القبلية واستيلاء الاستعمار الزراعي على معظم أراضي القصرين التونسية الخصبة ثم قتل رمز من رموز الانتفاضة رجل دين، الولي عمر بن عثمان أثناء المجابهات بين المستعمر والسكان المحليين...
تعفنت الأجواء، فتأججت العصابات من الجانبين... وتطورت عند المستوطنين، لإضعاف عزيمة المقاومة، فكرة استيعاب الأطفال التونسيين لتثقيفهم وتنويرهم حسب أهواء حضارة الغرب. "
يحكى في الأوساط الشعبية قصة ثلاثة شبان لقوا حتفهم أثناء الأحداث... واختفوا على الوجود...
عندما كانا في الخامسة من العمر، توقفت عربة تقودها خيول عظيمة أمام منزلهم، ثلاث يتامى اختطفتهم يد العصابات الغاشمة التي تتناول مع دولة الاحتلال، ثم تم نقلهم إلى العاصمة لتثقيفهم حسب برنامج التجنيس.
هكذا سرقوا مفتاح وسلمى والعلمي من عائلاتهم بأمر من الحكومة الفرنسية.
وتم إرسالهم مع شباب آخرين من القرية بالطائرة إلى مدرسة داخلية ضائعة على جبال السيفين (Cévennes) الفرنسي المحوشة بالأسلاك المكهربة تفاديا لفرار المساجين... ثكنة تبعد حوالي آلاف الكيلومترات عن منازلهم بعثت لفرنسة أطفال المستعمرات.
بعد وصولهم قصوا لهم شعرهم وقاموا بغسلهم وألبسوهم الزي الرسمي أبيض اللون للذكور وأسود للإناث، ثم منعوهم من التحدث بلغتهم، لم تعد أسماؤهم موجودة، بل أصبحوا الآن رقما.
هناك تم معاملتهم على أنهم متوحشون، وانتهى بهم الأمر إلى تصديق ذلك.
أصبحت هويتهم مشوشة، لأنهم انقطعوا عن تاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم، نعم حاولوا قتل كل ما هو تونسي بربري وعربي فيهم
لا اسم ولا هوية ولا وطن... إنهم ضحايا التغريب اغتصبوهم، وجوعوهم، وعنفوهم... حتى تعلموا تحمل الألم... ومنذ نفيهم لم يسأل عليهم أحد...
وبعد سبعين عاما، قامت طالبة دكتوراء بأطروحة "قصة مفقودي تالة الثلاثة"...
لماذا اختفوا؟ هل تمت إزالتهم من العالم؟
ودون أن تفهم حقا السبب، ستفعل كل شيء لمعرفة ما حدث.
قصة تقشعر لها الأبدان ومؤثرة في نفس الوقت إنه جزء منسي من التاريخ التونسي يحكى لنا هنا من خلال بحث أكاديمي قصة المدارس الداخلية الفرنسية التي حاولت طوال قرن تقريبا تحويل أطفال مستعمراتها إلى "فرنسيين صالحين".
اكتشفت أن المنظمة بأكملها كانت عسكرية، كان هناك شكل من أشكال العبودية.
ينبغي أن نعمل منذ الصغر على تقشير البطاطس دون أن نأكلها، وتنظيف المراحيض دون استخدامها، وترتيب الفراش دون النوم عليه... ونبدأ مرارا وتكرارا حتى ينفد العطش والجوع والفشل والنوم. هذه شهادة أحد المظلومين بعد تهريبهم من طرف كاهن بروتستنتي كان يأتي كل يوم جمعة لتعليمهم تاريخ الديانات... تحدث إليهم عن حدة وفهم آلامهم وحتى نسيان من هم ومن أين أتوا وأين سيرحلون... غاضه حالهم فساعدهم على الفرار وأطلق سبيلهم في صحراء جبال السيفين الكبيرة...
أصبحوا مدمنين على الكحول، وعملوا سرا وجهرا وأصبحت أسماؤهم أوروبية ولم يتذكروا أنهم تونسيون...
إنها قصة اختفى فيها الحب والصداقة وسيطرت عليها الهجمات والعنف.
مرحبا بكم في عالم التحضر الاستيعابي لصنع العبد الجديد حسب حضارة الأسياد موجهة للعبيد
نفذ صبر الدكتورة وهي تكتب قصة العداء المترامية والمتراكمة في صدور المبشرين... حسب مخطوطاتهم التاريخ لا يرحم الخاسرين.
"في بعض الأحيان يجدون صعوبة في تذكر حياتهم من قبل جولة الصيد مع أسيادهم عند الفجر وهم مقيدون، وصيد الحمام في الشجيرات. رائحة السجادة العطرة تحت الخيمة المحرومين من الاحتماء بها وقت ريح الثلوج، كل هذه الأشياء الصغيرة التي كانت تشكل حياتهم اليومية حتى الفرار، تتحول إلى ذكريات لعل يمحوها الزمن تدريجيا.
هل سينسون كل شيء، حتى أرواحهم؟...
وفي نهاية المطاف، يعيد هؤلاء الأشخاص في حياتهم إنتاج نفس نمط السلطة، وهو النمط الوحيد الذي عرفوه.
لا دين، لا ملة ولا عائلة يعيشون ثلاثة وحدهم في غابة مهجورة من البشر، عملهم الوحيد حطابة الخشب وصيد الحيوانات المحجورة بطريقة غير قانونية.
الكاتب
عبد الفتاح الطياري.
2/10/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق