المكيدة
فقطع من ليل بهيم تتجزأ الحكايات ...وتهجع الرواية في العقول الساهدة...تسكن في تخاريف المهزلة...تعصر الكلمات المبهمة تستجلي ألغازها.
في قرية بعيدة تسكن عائلة فوّاز تحرسها العسس والمتاريس وتقف على أسوارها كتائب مسلّحة... تخرّ لها الجبابرة خوفا...أبواب غليظة ماثلة...وجوه حرّاسها تحكمها الغِلظة والفظاظة وتغرق مداها غرابيب مشؤومة ...تستلذّ الخيانة...وتستوضع أغوارها...لفوّاز أخا في الفلاة ينصب خيامه...يقتنص من البراري أوده...كلاب صيده مدرّبة...طيّب المعشر...شاهق الهامة متفهّما... سليم الطويّة صافي السريرة... متوازنا..كان له مع أخيه طرائق ملغّمة تدابيرها مسحولة على قفا المصلحة...طلال لا يبحث عن غنيمة متروكة ...بل يجاهد استدرار الغيوم السابحة في برازخ عالية... دار الزمان دورته...وتجاسر فوّاز يستعدي على غيره...يشاقق البلوى يرسم على الصحراء خرائطه...أرسل خاصّته يخبطون في المدى... يدقّقون...ويستوفون أمصارها... ثلموا كل الأراضي الخصبة اقتطعوها بالغلظة والخيانة وترتيبات جائرة...ناحت الحمائم في الآكام مستعطفة...واستوحشت المعالم الماثلة...كان لطلال أمنية أن يقود دوابه بعيدا عن الضياع المسيّجة...عن حرس وعسس وعساكر متمركزة...عن ظلام داجٍ في المتاهة...عن ظلم قرباه وأشراكه البادية...كل أمنيته أن يذرع المدى بعيدا عن أخيه الذي استثمر غفلته...وتجرأ معاديا يقتطع حصّته...فانبرى مهادنا وقد استنسخ المكر والمخادعة...أخذ الضيعة الشرقية عنوة...وأشجار الزيتون... وكروم التين وحقول تتثاقل مثمرة...افتّكها بالحيلة...يتفكّه ضاحكا...بقرتين وعجلهما وفرس كريمة ومُهرِها...انتقى كل جميل سفوح الجبال تنادي باكية...تنتحب هزيع الليل...تستحل الخيبة الداجيّة...امرأته صابرة...تجاهد أوعارها صالحة..لم تتوارى عن طلال لحظة...وأطاعت رغبته وشاخت في شبابها... لم تساير
الهوى في دركاته...وانحنت لربّها عابدة..فجرا انتصبت رغبة فوّاز ثائرة...وكيف له أن يشحذ السيوف القاطعة...وقد أضمر شرا...وعين طلال غافية... أشتات الليل تلاصقت...وحمل كراديس العسس وانتحى جهة طلال يكرّ متعدّيا... كان أن يجدّ في رغباته...وكانت ابنته غزّة الدرّة الباقية ...ومفتاح الضيعة يقايض المكيدة المنتصبة... عفر وجهها في الوحل...واستهجع إدبارها...واقتنص من هجوع المدى أمنية أن يقتل غزّة الجميلة اليافعة...قدسية الملامح عابدة...
لم تحرّك تعاسة الموقف في فوّاز شيئا وانبرى يكدّس أحلاسه...كانت السهام مركونة أسفل ظهرها...تشقّ الأوردة القانية...انساب الدم غزيرا... ينهمر فاترا...يترك في الثرى فقاقيع ملتهبة...انقطعت الآمال في نجاتها... وانبرى والدها يهدهد أطرافها...يناجيها في هلع...ويسكب البوح في مناحاة الشكوى يستعطف الأقدار في نجاتها.
الكاتب
محمد سليماني.
19/10/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق