أسراب مهاجرة
تحت وهج الحرارة القوية التي تصدر فحيحا في الأمصار الخالية... يتسلّل المدى...يستجمع في أكنافه صرخات الولدان...واستعطاف الحزانى والمهمومين الذين يسيرون في الآكام المسيّجة...يحملون على ظهورهم الواهنة حبّات تمر وزيتون...وأشلاء ممزّقة وأطمار بالية...
خواء يخترق القلب المكلوم...يشدّ بالنواجذ عن عذريّة المكان...وسيوف تندفع مشحوذة مجاهدة... مختومة الطابع والبرهان...تستعذب الملاحم ودواوين الشعر...جاثوم يستلقي...محموما يشقّ الفؤاد الموجوع...ويدكّ الحصون العالية...
كان لنا من نافلة القول قول...يصادر الهنيهة في دواوينها...تشخص له الأبصار شاخصة...
القوافل تمشي على الثنايا الضيّقة...والدّواب تتباعد متنافرة...تهرول بفظاظة في خبط واهٍ...والجياد تهزّ رؤوسها شامخة...
كنت أرى والدي يجدّ في مشيّه...وبغلته تترنّح لاهثة..القيظ يسري في أعنّتها...تستهجن أطرافها...خط طويل...يبتعد مسافرا..،يصعّد الجبال المثلومة...وينزل متدحرجا...يستولد القافية...
كانت القرية في منعطف بعيد...مزروعة ألغامه...والشيوخ تعتلي جيادها...والنوق تغذّ متعامية...الشياه تهرول سارحة...تغثو متناسية جدب الطريق وشقوقه البادية...إلا من كلأ مردوم في الأديم المالح...والكلاب تعقر نفسها عاوية...
اقترب المساء...وتلكأت الأحمرة ..تعبت وتغابت واستلقت على الأرض متهالكة تبحث عن قطرة ماء...تنبش بحوافرها ...تمتصّ الثرى...كانت المسالك المتوحّشة تراود المسافرين...تستفرد سكينتهم...تبتلع أحلامهم...وتدحض الجدوى في هجرتهم نحو الفيافي النائية...بحث عن مصير مشؤوم...ومعاهدة تستجلب الأمنية...يبحثون عن وطن...يقايض أسفارهم...ودفاترهم الصفراء...وكتب البلاغة بضجيج النبوءات والطلاسم المقدّسة...ومعابد الرهبان والجوقة المخاتلة الذين يبيعون السراب في سوق الملامسة...ويسلكون في إدبارهم أضابير المعتقدات الضاربة في عمق الأرض...ويشترون من ضروبها مآذن وقباب محمولة على دحض الخرافة والسياقات الفاشلة...
الكاتب
محمد سليماني.
16/10/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق