وجع العمر
ويمرُ العمرُ شريداّ كالمخمورِ بآهاتي
فأحضنهُ والدمعَ جريرٌ بلوعةُ الخيباتِ
لا شفاعةٍ تباركني من طيبِ الحنايا
ولا الملائكةُ ترسو برحمتها لملاقاتي
فأمضي بظلام الدنيا والكربُ رجسٌ
يغتالني ألماً والألمُ نارٌ بخمرُ كاساتي
بجسدي آلاف الجروحِ ماتزالُ تبرحني
والجرحُ عالي المقام صفة بمهاناتي
كأني أجرُ ورائي بديارُ الأحزانِ لألهو
أشدُ لصوبي بمناحر الدهرِ قهريَ الآتي
أجولُ بمناسكِ الذئابِ بنكبِ الورى
فأزيدُ بكؤوسِ المشاربِ سقمَ مأساتي
وإني لا أرضى بقسمة الزمانِ بطولها
ولا بقربُ التوابيتِ بطعنُ السنواتِ
جرحٌ يسقطني من الشمسِ للظلماتِ
كالضريحِ أرقصُ بوجعي من الطعناتِ
ليتهُ ما زارني العمرُ كالضراءِ يرهقني
فحتى الهواءُ راحَ يشقى بانكساراتي
حينما أورثني اليقينُ بأنَ الصبرَ نجاةٌ
مدني الصبرُ بثوبِ الكفنِ دون نجاتي
أضوعُ كالغريبِ بصحراءَ غربتي واهناً
أمضي بلا عنوانٍ كالمعتوهِ بالطرقاتِ
هي الليالي مُوحِشَاتٌ بِوَهْجِ الفنايا
ولومٌ لا يستريحُ مهما أضاحتْ كلماتي
يا أيها الباكي من البعيدِ ترجل عني
ارحل من زماني بمركَ بنوحِ دعواتي
فجراً يغيبُ مرتحلٌ خلف مواجعي
وفجرٌ لم يعد يلدُ من بعدُ الراحلاتِ
كلُ الخذلانِ تقتلني بأحقادُ الشياطينِ
كالنكساتُ التي تكسرُ نورَ صباحاتي
كسربُ الخفافيشِ النقراءِ تحتلُ الركنَ
تشربُ من الدماء راحٌ وتكثرُ بمعاناتي
هذا اليأسُ بكارثتي هل سيطولُ بمرهِ
أم مازال بديارُ القدرِ لي بقايا جرُحاتي
بسريري الحجري لي ألفُ حلمٍ دفنتهُ
وقصائدٍ باكية نهبتْ من نوحَ عباراتي
لي حكاياتٍ بوحشتها ترنو بالبلاءِ
وتغزو كالرماحِ قلبي فتدفنُ إبتساماتي
تبعثرني أمام الريح كأوارقُ اليابساتِ
بألفِ ذبحٍ ويا لمرِ الألمِ بسرِ حكاياتي
من هنا طعنٌ و من هنا رفسٌ ونعلٌ
يسحقُ حقلَ زهوري وتقتلُ فراشاتي
يا أيها العمرُ لما تقهرني ألماً بأيامكَ
كيفَ تأسرني و أنا بريءٌ منكَ لمماتي
لا أنتَ ملكتني ولا أنا لذتُ بدهركَ
خسرانٌ بأدمعي والنارُ يأكلُ ذاتي
فأشكو إليكَ واليمينُ حالهُ مهزومٌ
شقاءٌ بالروح و ضياعٌ يعلو للسماواتِ
هي الأقدارُ من رستْ تقتضي براحها
تشدني لدارُ العويلِ وتقسو بدمعاتي
وإني لمحالبِ الأحزانِ نهتُ كالرضيعِِ
رحتُ أشربُ مراً من الأيام السَاكراتِ
وحيداً مازلتُ أجتهدُ بموارحُ الطيبِ
كلما زدتهُ عدتُ بفشلي من غزواتي
لا دارٌ ينقذني بمواجعُ المحنِ بشتاتي
ولا السماءُ تشرقُ برحمتها بصلواتي
الوجهُ قد شابَ ملامحهُ و العينُ بارعٌ
حتى ثكلتْ كلَ الأيامِ بنكسةُ راياتي
فكلُ الدروبِ بها نعوةُ كلما خطوتها
فلا صحبةٌ لي بهذهِ الدنيا إلا كلماتي
عرشُ القوافي وحدها من سعتْ لراحٍ
بها كالضريرِ رحتُ ألملمَ بقايا نظراتي
لا طيبٌ يحملني براحتي لكي أنجو
ولا الصبحُ يأتي بالأحلامِ البريئاتِ
يا أيتها الحياةُ كم من نَهِيبٍ سيشهدُ
بأني كالغسقٌ المقتول أبكي بمرآتي
وجعٌ بالعمرِ ما لهُ لهذا الحد يؤلمني
يذبحني كلما لذتُ بهِ حزيناً بذكرياتي
فحسبي للذي راحَ يجري لباب الموتِ
منعزلاً ولا أراهُ لصوبِ الحياةِ ... آتِ
الكاتب
مصطفى محمد كبار.
22/10/2023