الحنين إلى الماضي
يعتبر الماضي جزءا لايتجزأ من حاضر الإنسان ومستقبله.
وما منا أحد إلا وله ماض وحاضر ومستقبل يلخص قطار حياته بكل مايحمله من خير وشر، فرح وحزن، سعادة وأسى، سرور وبكاء، حب وكره إلى غير ذلك من الأضداد والمتناقضات التي تلون حياتنا.
وقد يمر المرء منا بفترات من حياته تملأها البهجة والسعادة كما يمر من أوقات تعاسة يعمل على ابقاءها في سلة النسيان.
وغالب هذه الأوقات البهيجة تكون بمرحلة الصبا لكونها مرحلة البراءة والعفوية وكذا في مرحلة الشباب حيث اللامبالاة والفوضى والدراسة وكثرة الزملاء.
ثم تبدأ مرحلة المسؤوليات الثقيلة والباءة التي يتحمل فيها الإنسان مسؤولية بناء بيت وأخطرها بناء الإنسان. وتتميز بتشكيل الأبناء على نمط وأخلاق ترافقهم مدى حياتهم.
وهذه الفترة رغم جماليتها مع مولد الأبناء والاحتفاء بهم والفرح، إلا أنها تصبح صعبة جدا عندما يصبح الأبناء شبابا يافعين ويبدأون تمردهم على ماهو قائم تدفعهم إرادتهم في تحقيق ذواتهم.
وابتداء من هنا وبسبب كثرة الضغوط الحياتية، فإن أغلبنا يجتاحه الحنين إلى الماضي والزمن الجميل - كما يسميه معظمنا؛ نحِنُّ للعودة إلى مرحلة الطفولة أو الشباب أو لأوقات جميلة قضيناها مع أناس أحببناهم بصدق وبادلونا نفس الحب ونفس الاحاسيس ونكون قد شاركناهم وشاركونا بحب لحظات جميلة وأوقاتا مرحة سعيدة.
وهذه هي سنة الحياة.
وقد قال أبو العتاهية معبرا عن الحنين لفترة الشباب:
بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني
فلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ
فَيا أَسَفا أَسِفتُ عَلى شَبابِ
نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ
عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضّاً
كَما يَعرى مِنَ الوَرَقِ القَضيبُ
فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً
فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ.
وقال أحدهم في الحنين للماضي:
أرجع زمان الأمس من صفحاتي
ما أجمل الأيام بعد فوات
ذكرى يعود إلى الفؤاد حنينها
دومًا إذا ذاق الفؤاد بآهات
زمن تولى من ربيع حياتنا
في ظله ما أجمل الأوقات
نلهو ونمرح والسعادة عندنا
ما أصدق البسمات والضحكات
نجري ونجري ليس ندري أنها
تجري بنا الأعمار في الساعات
ونلاعب المطر الخفيف إذا أتى
وعلى اليدين تساقط القطرات
نبكي ونضحك تلك حال طفولة
ونصدق الأفعال والكلمات
ما أجمل الأيام تمضي غفلةً
زمن الصفاء يمر في عجلات
وكبرت لكني صغرت لأنني
ما زال قلبي صادق النبضات
ويدوم قلبي للوفاء ونبـضه
ولسوف تشهد بالوفا أبياتي.
وقال آخر في نفس السياق:
صَديقي.. أحدِّثُكَ اليومَ عن أجملِ الذكرياتْ
بحثتُ عليهِنّ في كلّ دَغْلٍ وكلِّ فَلاةْ
وفي مُدلهِمّ الدياجيرِ والظلُماتْ
وفي طرقٍ بَعُدَتْ عن ضياءِ الشعورْ
وبينَ القُبورْ نَبَشتُ دَهاليزَ مردومةً
بغبار الزمانِ فلم ألقَهُنَّ بأيّ مكانِ
وحينَ النعاسُ غزاني أَتَينَ
مع الحُلْمِ دونَ توانِ يُظلِّلُهُنّ كَثيفُ الدُّخانِ ويسبقُهُنَّ العبيرْ
جلسن أمامي على بُسُطٍ من زهورْ
فحَيَّينَ بالعَبراتْ تساقطنَ حزناً على الوَجَناتْ
فأينَعَ وردٌ وتوتُ وضَوّعَ مِسكٌ فَتيتُ
ورانَ السكوتُ كأنّا لُجِمنا بسحرِ اللقاءْ
فمثلَ اشتياقي إليهنَّ كُنَّ إليَّ ظِماءْ
ورحتُ أقصّ علَيهنَّ ما قد لقيتُ
وما قد عرانيَ بعدَ الفراقِ من الحَسَراتْ
فقبَّلنني بالتَّأَوِّهِ والزفَراتْ قَصَصَنَ علَيَّ الذي
ما نسيتُ وأقسمنَ أَلاّّ يُفارقنني ما حييت
نعم يا صديقُ هي الذكرياتُ الجميلة
وإن رقدت خلفَ صَمتِ الأحاسيسِِ ليستْ تموتُ
سنينُ الدّراسَةِ، والعُمُرُ الأخضرُ ربيعُ الحَياةِ،
وبستانُها المزهرُ هي اليومَ واحةُ عمري الظليلة.
واختم بقولي وهي قناعتي:
إن لكل فترة ومرحلة من حياتنا محاسن ومساوئ، ونحن من نصنع الفرح والسعادة. فلنعش كل مرحلة ونصنع فيها الفرح الذي يليق بها ولنصنع من الذكريات
الجمال الذي يليق بنا وبتلك الذكريات.
جعلني الله وإياكم جميعا من السعداء في الدنيا والاخرة.
الأستاذ
عبد الغني أبو إيمان.
23/9/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق