المقبرة
أصبحت غريبا في بلدي، وأغلقت في وجهي الفضاءات، وحدها الجبانة تحتضنني دون إشارات... بينها وبيني حسابات وحسابات مزيج من لهيب الموت ومنبع الحياة...
بنظرات منبهة أضناها التعب وأذبلتها شوائب الدهر، سرت بين القبور والفاتحة في فمي تتعاود مرات ومرات، جئت أبحث عن الحياة بين الأموات.
أهل قريتي يعدونها مقبرةً وأنا أتصورها مأوى للتأمل وفتح الآفاق.
مع تقدمي في السن، لا أقول لنفسي إنه سيكون هناك عدد أقل وأقل من المشي على المسالك و زيارة الممالك، لكنني أقول لنفسي إن نوبات الحنين إلى الماضي ستصبح أكثر وأكثر تكررا.
وهذا أمر طبيعي لأني أحمل زمانا منصرما، أكثر من زمان مُقبل... لذا في توازن نفسي، هناك أشياء تم إنجازها أكثر من الأشياء التي يجب القيام بها.
الإغراء كبير للسماح للذاكرة باللحاق بالركب،لكنني ما زلت أريد أن أصنع لحظات لنفسي وألا أعود لها.
في اليوم الذي سأختفي فيه، لقد كنت مؤدبًا مع الحياة لأنني أحببتها واحترمتها كثيرًا.
لم أفكر أبدا في شيء لا يستهان به من رائحة الليلك، وصوت الريح في الأوراق، وصوت الأمواج على الرمال عندما يكون البحر هادئًا، وصوت اللف.
كل هذه اللحظات التي تمنحنا إياها الطبيعة، لقد أحببتها وأعتز بها ودللتها.
أنا مهذب، هذا كل شيء.
هم جزء من مناحي وذهلاتي السعيدة التي تتجدد باستمرار.
الماضي جيد، لكن تمجيد الحاضر هو وسيلة للاحتفاظ بالنفس، فهو واجب.
في حضارتنا، نسيء معاملة الحاضر، ونجهد باستمرار نحو ما نود أن يكون لدينا، ولم نعد نتعجب مما لدينا.
نشكو مما نود الحصول عليه.
عقلية مضحكة! الشعور بالرضا ليس تحقيرًا، العودة إلى سعادة ما لدينا هو أسلوب حياة.»
الكاتب
عبد الفتاح الطياري.
23/9/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق