بين الفضيلة و الرذيلة
في إحدى القرى الساحلية الساحرة على ضفاف المتوسط التونسي، يعيش زوجان عائدين من روما، الرجل بحار والمرأة عرافة.
تثير "الزوجة" المشاعر وتملي قانونها على زوجها الذي تخدعه، وعلي والدتها التي تحتقرها، وعلى عشاقها الذين تأكلهم الواحد تلو الآخر.
حرة ومستقلة، سيدة عالمها الصغير، لم يكن لديها منافسا في محيطها حتى ولادة ابنتها.
أخفت بطنها حتى الانقباضات الأولى. صلت بلا كلل غاضبة حتى لا تأتي هذه اللحظة، وحتى يتم القضاء على الدخيل في مهده.
حاولت الأم، التي لم تكن أما، خنق مولودها الجديد لكن وصول الجارة حال دون وقوع الجريمة.
أما الأب الذي يقضي نصف حياته في الماء والنصف الآخر في الكحول. وجوده عبارة عن سائل بحت، لم يلاحظ حتى ولادة ابنته من كثرة ما يعيش في ضباب الأوبيوم.
لقد نشأت "عفيفة"، وهي طفلة غير مرغوب فيها، بين الكراهية وسوء المعاملة ليلا ونهارا، تتوسل إلى السماء والأيمة أن يحرروها من طغيان والدتها.
استسلمت بعد صراع عسير بين عطفها ومعضلاتها وتكهنت بأن واحدا منهما ليس له مقام في هذا البيت.
ويتعين على "عفيفة" أن تختار: إما أن تطهّر المنزل بالبخور أو أن تشعل شمعة من أجل خلاصها أو أن تأجج لهيب الغضب.
هل يمكن أن تولد الفضيلة من الرذيلة؟ يقول القائل:
هل يمكنها أن تكره دون أن تحترق؟
هل يمكن أن تحب دون أن تلتهب؟
من يرى أقل يحس أكثر، تكرر المقولة بين هنيهة وأخرى وهي تمسح فضاء البيت ذهابا وإيابا وكأنها لبوة في قفص تتجاهل مرض والدتها القابعة في ركن مظلم من الغرفة من جراء مرض تناسلي... إنها تتردد في تمثيل دور الملاك أم الشيطان أو الاثنين معا.
نادتها امها متوسلة لا تتركيني وحدي أني على وشك الموت...
فأجابتها بصوت أقرب إلى البكاء المختنق...
أنت يا سيدتي كبلتني منذ أكثر من ثلاثين عاما منذ ما كنت طفلة صغيرة بأبشع الأهوال؛ ونحتي من وجهي صورة شيطان وأنت اليوم تستلهمين مني صورة ملاك…
لقد غيرتني الأيام والليالي حتى أصبحت نقيض ذاتي! بسبب أفعالك...
لم تكوني ولو لحظة أمي.
همس صوتها الداخلي: عليك أن تحافظي دائما على الإيمان، لا تنساه. إذا حل الظلام في حياتك يوما ما، إذا تلاشى صبرك خز إصبعك، واغمس قلمك في دمك واكتب: الله محبة. أعتقد فيه. ستشعرين بتحسن وسيكون إلى جانبك.
نظرت بحقرة إلى أمها المتألمة وودعتها...
آسفة! هناك قطار ينتظرني
الكاتب
عبد الفتاح الطيار.
25/9/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق