الرسام الطفل
خلال الأشهر القليلة المقبلة، ستسافر بسلاسة من شارع الجامع في قرية تركي إلى شارع مرسيليا بتونس العاصمة لتثبت كفاءتك الفنية في المدينة الكبيرة...
هناك معارضك وأصدقاؤك وعاداتك.
يدعوك للتدخل في حياته، لكن هذا لا يخبرك بأي شيء.
تريد أن ترسم في صمت وهو يمنحك الفرصة.
لا يتدخل السيد حبيب *...
إنه عظيم ومن شأن الكبار التواضع. رسوماته الفوضوية بطابعها غير المنضبط عن قناعة وبديهية لأنها ألهمت أجيالا من المتمردين... تركت لهم حلقة في تاريخ الفن المعاصر في تونس، تغذت من الاستفزازات والتحديات... أشكاله تشكل هجوما مسلحا وألوانه أقوال قذرة وتجديف متواصل ضد أي نظام قائم.
إنه الرسام الوحيد الذي، في رأي الجميع، قطع كل الطرقات "بلا" للنظام... إلى الأنظمة.
فرشاه حُبلى دائمًا بالضوء وعتوّ الألوان وعفوية الأطفال...
في مرسمه الكبير، على أرضية خرسانية، تفتح الأبواب لمن يريد ذلك.
الطلاب الصغار والرسامون ذوو الخبرة يجدون أنفسهم مقرفصين هناك ومهجورين.
أنت تتجنب المظهر وتتجنب المحادثات. تقضي ساعات وأنت ترتدي ركبتيك على الأرض الوعرة، ورقبتك بزاوية قائمة، وجسمك مفتوح على لوحة قماشية تصبح مجالك.
أنت تفرغ نفسك هناك وتسلم نفسك هناك، وتتقيأ بالكامل ألوان حتى الساعات الأولى من الصباح.
عندما تغادر المدرس في كثير من الأحيان، وتنضم مجددا إلى أرباعك السوداء وأنت تتجنب الموت بأعجوبة، في كل مرة، لأن المدينة العتيقة لم تنم بعد تعاني يوميا من الشباب المتغطرس الذي تجرفه أرصفة المشاة. يتحدونك ويتحرشون بك ويسرقون منك ويبصقون في وجهك.
إنك العاهرة البيضاء في مدينتك السوداء... وأنت فقط لا تهتم بالأقنعة... تبحث في ألوان المارة ، ألوان الأزياء ووجوه الزناة... حملك رسم التغيرات... والمتغيرات...
شيء ما عندك يتغذى من هذا الرفض.
تستأنف الأيام مسارها لكنك تمر بها بشكل مختلف يحملها التيار.
أنت تعلم الآن أن لديك مأوى آخر ما لا تعرفه... هو أنه سيكون لديك دائما واحدا، ولن يكون لديك نفس الشيء أبدا هنا تعشش مأساتك.
*الرسام التونسي حبيب بوعبانة.
الكاتب
عبد الفتاح الطياري.
17.8.2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق