نبض نخلة: أيها البحر//الكاتبة إكرام التميمي

الأحد، 13 أغسطس 2023

أيها البحر//الكاتبة إكرام التميمي

 أيها البحر 


هبني أشرعتك كي أتشبث بها . 

في ليلة من ليالي الصيف المنعشه ،ليلة حالكة السواد ، شديدة الظلمة يضيء سناها قمر منير وبعض النجمات المتناثرة هنا وهناك. 

وفي ساعة متأخرة من الليل تملكني شعور بالضيق ،فراغ يسكن روحي ، ضجيج يكاد يفتك برأسي الصغير 

لا أرغب المكوث بالبيت ساعة أخرى. 

فها أنا أتقنت دور الضحية، منغمس حتى الغرق بأحزاني بالصمت في وحل الحنين إلى ذاتي القديمة . 

أحتمي بجدران واهية بين مد وجزر أتوه، أتخبط بأمواج الرحيل ، 

أرتديت ملابسي حملت محبرتي و أوراقي ومفاتيح سيارتي. 

خرجت إلى أين أتجه لا أعلم !؟ 

لعلي أنعم ببعض الهدوء .

أنطلقت مسرعاً حيث لا أدري أجوب الطرقات 

فإذا بي هناك بالقرب من شاطئ البحر . 

ضجيج يجتاحني يتملكني شعور بالرغبة في الغوص في أعماقه، كي أغسل درن متاعب وهموم الحياة، وما علق بي من أفكار ووساوس أثقلت كاهلي . 

أوقفت سيارتي هناك وترجلت أمشي على الرصيف أرقب أمواج البحر العاتية ،أثور لثورانها ، فهناك برد يتسلل إلى أعماقي ، روتين يومي قاتل جاثم على أوردتي ونبضات قلبي . 

تأخذني أقدامي هناك على جنبات البحر كي أرمي بثقل همومي في أعماقه. 

هرولت أحلامي مسرعة نحو الشاطئ ، في كل خطوة كنت أشعر بأني حققت أخيرًا ما أصبو إليه وأنا أبثه أحزاني . 

هأنا أمتص الرمق الأخير من سيجارتي، وأهرسها تحت أقدامي، كي أطفئ لهيب نيران قلبي . 

مشيت هناك أرقب موجات البحر وهي تلاطم بعضها وكأنها توشوش لها بأسرارها . 

سمعت ضجيج ضحكاتها، وأطربني عزفها، حاولت انتزاع روحي من كثبان الرمل التي تغطيها ، حاولت لملمة أشلائي المتناثرة بين مد وجزر . 

حاولت رتق نزيف القلب ووقف عقارب الساعة عند نقطة الصفر . 

ها هي سفينة أحزاني أبحرت إلى البعيد، كيف السبيل إلى الوصول إلى ضفاف القلب .

وها هي النجوم تنطفئ بأختفاءها ، وها هو القمر يتوارى ألماً خلف التلال البعيدة، خلف غيوم الفراق المتاخمة لحدود القلب. 

كل شيء بدأ يتراكم تدريجيا وبطريقة عشوائية ، وكل غيمة تستدعي أختها وكأنني قصعة يتلذذون بتناوبهم عليها . 

يحاول كل منها قضم ما بقي فيَّ من رمق .. 

هناك على الجانب الآخر قارب خشبي صغير، يغوص بعضه على سطح البحر أعتراني الفضول لاعتلائه وبالفعل طلبت من صاحب المركب أن يأخذني في جولة في أعماق البحر . 

نظر في وجهي برهة ثم أشاح ببصره عني، وهو يقول: الدنيا ظلام دامس لن ترى شيء . 

أزدردت ريقي وقلت : لا عليك أردت فقط تجربة الغوص في أعماقه وسبر أغواره والغوص بعيدا . 

مضيت عنه وأنا لا أدري أين تأخذني هذه الخطى ، كلفافة تبغ لا تعرف أي ريح ستحملها معها . 

ناداني الرجل وقال: يا هذا .

لن أجعل مجيئك هنا يذهب سدىً ولكن عليك بالتحمل . 

أومأت رأسي بالإيجاب . 

ألبسني ملابس الغواصين . 

وصعدت المركب معه وأنطلقنا في رحلة استكشافية، وما أن وصلنا منتصف البحر حتى قال لي : هيا معي . 

شعرت بالرهبة والخوف معا . 

كدت أن أتراجع عن طلبي لولا أن دفعني ذاك الرجل بقوة إلى البحر . 

وفي لحظات كنت أغوص بداخل البحر . 

أمواج البحر تأخذني معها . 

يا إلهي ظلام دامس هناك . 

شعب مرجانية تملأ المكان، وكأنها قطع صخرية . 

سرت رعشة لذيذة بجسدي .

 تسارعت دقات قلبي ، وكأنها تعزف لحنا شجيًا، دقات على إيقاع هتافات يخبرني بها الرجل أن علينا العودة . 

بعد قليل كان الرجل يعود بي إلى الشاطئ . 

عدت من هناك خالي الوفاض .

وكأنه يقول لي أيها العابث بأحزانك ألا زلت تشكو وحدتك. 

ألا زلت تصافحها وتعزف على أوتارها نغم عزلتك . 

عد لعالمك . 

تشبث بأحلامك أصنع قارب نجاتك . 

قلت له : أيها البحر . 

هبني أشرعتك لاتشبث بها . 

دخلت صومعتي بدأت الأفكار تنهال عليّ من كل جانب . 

أبحر في أعماق ذاتي انتشلها من الأحزان. 

أخذت قلمي وبدأت أخط تفاصيل رحلتي . 


الكاتبة

إكرام التميمي

13.8.2023



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اعترافات//الكاتب السيد سعيد سالم.

 اعترافات يا جميلة الجميلات ...  أحببتك بلا مقدمات  والليلة أبوح بالاعترافات صرت أنسج من بريق عينيكِ خيوط الكلمات صرت كمجذوب يتخبط أثناء الص...