قراءة نقدية
لاقت قصتي القصيرة جدا ( #شروق)، قبولا واسعا في الوسط الأدبي العربي واليمني، ومن أصدائها هذه القراءة النقدية الرائعة للأديب القاص والناقد التونسي / #فتحي #بوصيدة
شكرا سيدي الفاضل بحجم الحب...
قراءة للقصة القصيرة جدا للكاتب اليمني االأستاذ نجيب صالح طه.
النص:
قصة قصيرة جدا.
شروق
تمطت خراطيم الجهل من آباط الظلام، رقتها طلاسم ماض وقور، تعاضدت، تشكلت شبحا تلوى بأقدام
المضارع، تلت عليه طلفة حبلى تعويذة من نور ، تزينت السماء بأبناء الغد.
أ/ نجيب صالح طه الحميري( أمير البؤساء )_ اليمن.
_________________________
بداية أود أن أشير إلى العنوان و علاقته بمحطات النص، لكأني به القاطرة التي تقود بقية العربات ليعم دوي صوتها كلّ مكان تصله معلنة وصول ركب من المعاني و الايحاءات...
1-العنوان و مشهد البداية:
الشروق هو إشارة إلى الزمن 'شروق الشمس' و شرق النخل طال، و شرقت الأرض جفت لشح الماء و هنا تحضر عبارة الخراطيم شحيحة و قد أحسن الكاتب لما نسب إليها الجهل للتدليل لمعنى الشحّ ليكون الإيحاء إلى شح العلم و نراه في معادلة قوية مع الماء، و جعلنا من الماء كل شيء حي...كذلك هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكّر أولو الألباب (الزمرآية9).فشحّ الماء كشحّ العلم تماما...
2: الشروق و متن النص:
بعد حركة الفعل الذي استهل به الكاتب تمطى أي بمعنى الامتداد هنا فيه إشارة ضمنية إلى الامتداد الغير محمود كأن نقول تمطى النهار اي امتدّ و طال وهنا الشعور بالمدّة الزمنية، فساعة زمنية مرتبطة بحالات النفسية ، فأيام من الفرح تعادل ساعة...في حين أنّ ساعة من الحزن يمكن أن تعادل سنة...فيأتي فعل رقّ وهو فعل عاطفي وجداني يحيلنا إلى اللطف و الإشفاق، و هذا الوجدان دوما ما يحيلنا إلى التراجع و الذهاب العكسي و البحث في الماضي عن نقاط النور بمعنة نقاط المجد و العزة و الحقبة التي كبّلت العرب... لأنها تبقى في حدود القداسة كنتائج تلك المرحلة، و تبقى محرابا فيه بقينا في حالة سجود دائم...و هو ما أشارت إليه عبارة الكاتب و الحاضرة بقوة في متن النص "وقور" هذا الوقار و العظمة هي متصلة بالماضي العربي الذي بقي كسحر أو غلاف أو لنقل حجاب حجب عنا واقعية الحاضر و غير مدركين انحطاطه وسوء أوضاعه...
ولهذا صعّد الكاتب بالمشهد إلى التعاضد بين جهل الحاضر و وقار الماضي الذي لم يعد بالامكان احضاره ليؤثر في هذا الحاضر المتهاوي الضعيف و أن يكسبه القوة أو أن يمدّه بسحره للتجاوز بل إنّ هذا خلق نوعا من الخلطة الغريبة
و التعاون المساعد على الموت...وكأن وقار الماضي لم يجد في الحاضر القوة اللازمة للحاضر الجاهل لكأني به قد امتثل لمقولة نيتشة "إذا وجدت مريضا يتألّم فساعده على الموت" نعم هذا الحاضر الذي لا مكان فيه لحالات الضعف و الوهن، إما أن تكون أو أن لا تكون، حاضر لا يقبل فيه ضعيف او فرد أو معتكف...
و بهذا الوقار الحاضر الميت و الجهل في واقع مظلم تشكّل تآلف ليظهر في صورة الشبح هذا الكائن الغير جلي و هي العبارة التي توحي تأويلاتها كلها إلى فكرة واحدة شبح الحرب، شبح الموت،شبح الظلم، شبح اليأس، شبح المجهول، و غيرها...كل هذه العبارات ثوبها واحد ألا وهو الخوف...
نعم عرب يحكمها الخوف لا محرك له سوى آلات الجبن و الخيانة لتبقى شعوبا تسير في الحاضر بأعناق ملتوية إلى الوراء...
فيبقى شروقها ذلك الذي غرب، حيث الشروق الحقيقي هو أن ننظر إليه بأعناق متطلّعة إلى الأفضل، تنظر إلى المستقبل بنية بناء القوّة الضرورية متماشية مع متطلبات المرحلة و تشكيلات جيوسياسية جديدة...
3/ الشروق و الانفراج في النص:
تلك الازمة التي وصلت ذروتها في النص حيث تركنا الأشباح وقد بعثرت أوراق الحاضر و قد كسرت عنق الحاضر ليتوه في سيره كان لابد من التلاوة او القراءة بصوت مرتفع ، ولا بد من الصوت المرتفع أن يصدح بالحق و أن يعلو شأنه إشارة إلى حضور النص الديني و التشريع الإسلامي و النظر فيه بعمق حتى يخلق مناخ الوحدة و ترميم القيم.. بأحكام و شروط مواكبة للعصر...
و قد أسند الكاتب هذه التلاوة و ما قد أشرنا إليه من التلميح إلى المؤنث في مرحلة سابقة لأوانها للصفة التي ألزمها بها...
'طفلة و حبلى'وهنا إشارة إلى النعومة و الرقة و النقاء و هي صفات يمكن أن نجدها في المرأة فنقول إمرأة طفلة...و بهذا تستقيم عبارة حبلى و فيها إشارة إلى الخصوبة و الولادة ...مع مادة التعويذة النور ...
و بهذا تكتمل عناصر مشهد الانفراج في تضاد مع عناصر مشهد البداية
وقار مع جهل ستولد القفلة الرائعة للنص برمته، في شكل يبعث الأمل الذي نرومه، وهو الشروق الحقيقي.
4/ الشروق و القفلة:
من حيث اكتمل مشهد الانفراج بعناصره الرائعة، حتما للسماء زينتها نجومها أبناء المستقبل لتشرق لهم شمس النور شمس الحق و شمس العلم و الكدّ و السعي للبناء بعقول تؤمن بأن الحاضر يتطلب الايمان بالتغيير، سلاحة العلم و القيم...
و في الختام أجدد ثنائي على النص و كاتبه فهو الكاتب الذي يدرك مقاصد كل حرف يكتب نصوصا دوما مفتوحة على أكثر من قراءة...و ما قراءتي سوى إحداها قد أكون أشرت لما يخالج فكر الكاتب وقد أجانب الصواب ...
خالص عبارات الشكر و التقدير اخي الكاتب الرائع استاذ نجيب صالح طه
فتحي بوصيدة
الكاتب
نجيب صالح طه
16.3.2023
رووعة🌺
ردحذف