فقدت حضن أبي
مازال ذلك المشهد محفورا في الذاكرة ،إنها فتاة الأربع سنوات تقفز على السرير ، بعض الدغدغات كافية كي تجعلها تضحك، حد الإعياء، فتستسلم لنوم عميق ،ساعِده هو مخدتها .
و يده الأخرى غطائها ،أنفاسه تهويدة نومها ،دقات قلبه منبهٌ، متى توقفَ علمت أن الصباح قد حل ، لينسحب كعادته بهدوء، كي لا يوقظها. لكنها سرعان ما تفتح عيونها الناعسة، ما عاد النوم يحلو بدون وسادتها ،
فتسرع لتتبع خطاه .....
لكن اليوم ليس ككل الأيام ، حركة غير اعتيادية في البيت .....
أمسكت حليمة يدها ....
- تعالي يا صغيرتي
اليوم ستلبسين أجمل الثياب
- لماذا ؟
-لأن اليوم والدك سيكون عريسا
-ماهو العريس ......!
-ستعرفين لاحقا لا عليك
ألبستها حليمة أجمل الثياب ....
- يجب أن تأكلي جيدا ،لأنني سأكون مشغولة ،طول اليوم .....سيحضر ضيوف كثيرون ....
- لا أريد .....أريد أن آكل برفقة أبي
‐أبوك مشغول يا صغيرتي ....هيا لا تتعبيني كلي ....
-أنا لا أحبك حليمة
أخرجت لسانها لتغيظها
ضحكت حليمة ،أما أنا فأعشقك ....هيا اذهبي لتسلمي على العروس....
دخلت إلى الصالة الكبيرة ....
تتقاذفها الأيدي كأنها دمية
تتم ملاطفتها من قبل أناس لا تعرفهم
و نظرة الخوف و التساؤلات في عينيها ...
تجولت بين الحاضرين ....هذا يقبلها
و أخرى تتابعها بنظراتها ....
اقتربت منها تلك العجوز فأمسكت بخديها...
فأخذت تقبلها عنوة .
كم أنت جميلة .....أكيد تشبهين أباك
أفلتت من يديها .
لمحت أباها من بعيد...
كانت ستندفع نحوه لكنها فوجئت بوجود امرأة غريبة لا تعرفها.... كانت تجلس بجانب أبيها على أحد المقاعد المرتفعة ..... نادته بأعلى صوتها لكن أصوات الصخب و الزغاريد ...حالت دون سماعه لندائها ...
كانت تنظر إليه لعله يرمقها بنظرة
لكنه كان مشغولا لدرجة أنه لم يلاحظ وجودها.....
أومأت إليها تلك المرأة ،تقدمت نحوهما
بحذر شديد ،أمسكت بيدها الصغيرة و صعدت ....
طبعت على خدها قبلة ملونة بالأحمر .....اقترب أبوها وشوش كلمات في أذنها....
مفادها أن تذهب لتلعب ريثما ينتهي ....
أنزلها و هو يبتسم للحاضرين ...
شبكت يديها خلف ظهرها . و هي تحملق
في تلك الصبايا المتراقصات على الأنغام كأنهن ثعابين تتبع حركات المزمار .... و أعين الحضور شاخصة إليهن .... تعالت الزغاريد و ازداد الصخب .زينت الموائد بأنواع الطعام ...
وزعت كؤوس الشاي .......
كانت ليلة طويلة ،أصابها التعب إنه وقت
نومها نظرت مرة أخرى لوالدها .كأنها تقول له .
هيا إنه وقت نومي ....
لكنه سرعان ما أشاح بنظره بعيدا عنها
تراجعت خطوة إلى الوراء ...
أدركت أنها اللية لن تنام في حضن والدها.
تسللت وهي تحبو تحت الطاولة لتختبئ خلف مفرشها احتضنت ركبتيها ونامت...
فتحت عينها صبحا ......
لقد غادروا جميعا الهدوء يعم المكان
جرت نحو غرفة والدها لتقفز على السرير كعادتها.....
غير أنها تراجعت خطوة الى الوراء
تلك المرأة مفترشة ساعدي ...
ألم تعلم أنه وسادتي
ألم تعلم أن حضنه هو لي ...
ألم تعلم أن أنفاسه هي تهويدتي
كيف سمح لها أن تأخذ مكاني
رجعت إلى مخبئها.
في ذلك اليوم فقدت حضن والدها كما فقدت قبله حضن أمها .
تلك المرأة أخذت منها الأمان ..
الكاتبة
سعيدة الريفي
1.2.2023
رووعة🌺
ردحذف