نبض نخلة: جدار محمد صلعم//الكاتب عبد الفتاح الطياري

الاثنين، 27 فبراير 2023

جدار محمد صلعم//الكاتب عبد الفتاح الطياري

 جدار محمد صلعم


أحب أن أتمشى لمسافات طويلة ومن فترة ليست بعيدة، ذهبت أنا وصديقة عمل نتمشى لمسافة كبيرة معقولة في جبال البيريني بين أسبانيا وفرنسا. كنا نلهث وراء "خطوة محمد" المتمثل في ممر صخري قصير جدا. جسر محمد هو عبارة عن سلسلة تلال قصيرة يبلغ طولها ثلاثون مترا، وتتكون من كتل مستقرة كبيرة، وليست واسعة جدا ومفتوحة على فراغ مثير للإعجاب من كل جانب.

لم يكن لدي أي منا حس جيد بالاتجاهات ونسينا أن نأخذ الخريطة. وبطريقة ما خرجنا عن المسار السليم وانتهى بنا المقام في مزرعة ذرة بلا حدود...

كان هذا يوما من أقصر أيام السنة وسريعا بدأ الضوء يخبو  بدأ لنا أن الطريق الوحيد للرجوع إلى القرية كانت عبور حقل يسكنه قطيعا كبيرا من الأبقار وبينما اقتربنا منهم، أحاطت بنا بعضها بطريقة ودية مبالغ فيها، ساديين علينا الطريق، بينما جرت بعضها خائفة وبدأت تهاجم السياج المحيط بالحقل.

اقتنعنا أننا سوف نسقط في النهر بسبب الماشية التي تطاردنا، أو سنتعرض للتأنيب على يد مزارع غاضب بسبب جعل الأبقار الخائفة تهاجم السياج وتدوس سنابل الذرة. فقررنا أن نتخذ مخرجا أسرع عبر أسلاك الحدود المصطنعة. كانت الجروح تدمي من على أقمصتنا وكنا قد تخطينا المسافات القصيرة بسرعة البرق.

وبدأ الظلام يحل وكنا بعيدين عن أي طريق للعودة. لم تبد الأمور على ما يرام.

وبعد كيلومترات من التخيلات وطلب النجدة من الفلاحين... ظهر لنا النور...

حمدا لله، أننا نجحنا في العثور على مسار يقودنا للعودة. يا لها من راحة.

نمنا نوم الأطفال ومن الغد قررنا أننا سنأخذ معنا خريطة تنعتنا على طريق سهل للسير حتى جسر محمد وأن نلتزم بالمسار السليم.

في المساء، كنا مرهقين، وجدنا ملجأ في كوخ باتجاه وادي ماليبيرن. عند الفجر، وبعد ليلة قصيرة من الراحة، انطلقنا مرة أخرى نحو جبل العقيد كوروني. على الرغم من الخوف من الصدوع، قررنا أخيرا محاولة القمة عبر النهر الجليدي. الممر الأخير من سلسلة من التلال المستدقة للغاية على بعد بضع عشرات من الأمتار من القمة ستسبب لنا صعوبات جمة لدرجة أن صديقتي عزمت على الرجوع حتى رأينا مكتوب نشر عليه هنا يبدأ "جسر محمد" في إشارة إلى التقليد الشفوي الإسلامي الذي يقول إن دخول الجنة ضيق كحافة شفرة سيف لا يمكن أن يمر فوقها إلا الصالحين.

"انفصلنا عن قمة ناتو بسلسلة من التلال شديدة الحدة؛ إلى اليمين، هاوية في قاعها يمر نهر كوروني الجليدي والمياه السوداء لبحيرتها؛ إلى اليسار، على عمق أقل قليلا، ينحدر الجزء الشرقي من ناتو بواسطة أحد أكثر المنحدرات حدة. ومما زاد الطين بلة، أن الجزء العلوي من هذه التلال مليء بشظايا من الجرانيت تفككت بفعل الصقيع أو تفككت بفعل الصواعق، وهو أمر خطير للغاية بسبب افتقارها إلى الاستقرار. ومع ذلك، فإن جسر محمد هو الطريقة الوحيدة التي تم تقديمها لنا للوصول إلى الهدف الذي كنا نركض بعده لفترة طويلة...»

أيام، احتللنا أعلى نقطة في جبال البرانس حيث أقيمت قبة صغيرة وعلى جدارها زجاجة تحتوي على أسماء المتسلقين الأوائل الذين وصلوا إلى الأعلى.

نمنا على الأرض... وسرحنا في حكايات غريبة على المكان... يا ترى هل تعرف العرب والمسلمون أن اسم نبيهم أصبح معبدا سياحيا لكل المتجولين المشاة... في جبال البرانس...؟

وعند الفجر همست صديقتي في أذني...

تبين لي الالتزام بالمسار هو أفضل بكثير من الحديث في قاعات الشاي لأنه يجعلنا قادرين أن نسترخي وأن نتكلم سويا وهو الأفضل بالنسبة لعلاقتنا بوجه عام!

فهو الطريق الأجمل التي يؤدي للحياة.


الكاتب 

عبد الفتاح الطياري

27.2.2023



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رفقا بالقوارير// الكاتبة إكرام التميمي.

رفقا بالقوارير  واستوصوا بالنساء خيرا ..  هذا قول رسولنا وحبينا  احجلالا لمكانتها العالية  فكفاكم استعلاء أيها الرجال ..   كفاكم قهرا للنساء...