تين...وحنين
إقترب الصيف...وتدلّت الأثمار في الأغصان العامرة...كانت شجيرات التين الشوامخ...لا تخضع لخصوصية...أو إرتهان...فهي شامخة...لا تخضع في خلياءها لجاذبية الحدود...والجغرافيا...ولا تعترف برسم وتدقيق...فهي موسم الإشباع لنا...نروي بها جفافنا...وتستقوى بها ظهورنا...ونرتفع بها عن الأرض شبرا...فهو ملك مشاع...لا ينازعنا فيها منازع...ولا نحتكم فيها الا للشموس اللاهبة...التي تجدّد طاقتنا...وتمسح العرق المسكوب على جباهنا...
شجرات التين الواقفة بكبرياء تنادينا...بحماس...وحبّاتها المكتنزة تفتتن بأنوثتها...معروضة أمام ضحكاتنا الطاهرة .وزيغها منثور في عيوننا...
نتحلّق عابثين...وتتوسّطنا سلالنا الطريّة...الحبلى بثمارها الناضجة...والعسل يلثم رؤوسها الناعمة..غنجها بادٍ...وفتنتها تبطر ثورا.. وفتنتها تغرقنا في شبق اللحظة الثائرة...فتتأرجج قلوبنا خفّاقة...تستعجل البوح والتدليل.
كنّا أقرب مقاما للبوهيمية والعدم...كأشباح ليل ممسوخة المعالم...مبتورة التفاصيل...مكوّمة في سرأديب الخوف والنحيب...يهدّنا الإعياء ...وتدكّنا سنابك الليل الحادة ...فننام متكوّمين...نفترش الرماد...والهشيم...والتراب العقيم...
خيط دقيق مازال يصلني بتلك الحقبة الكؤود...يدبّ دبيبا خافتا...يسكن أحشائي ...ينذر ببداية الحريق...يستشري حتى يلامس الكينونة العذراء... السابحة في البوادي العامرة...وبيادر الحبوب.
محمد سليماني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق