مسابقة_اقرؤوا_لتكتبوا
التحدي_الأول: أدب البحار
عنوان القصة: بهلول
قفز من فراشه بشكل مرعب،.جلس،القرفصاء تم فرك عينيه بشكل عبثي قبل أن يمدهما عبر زجاج النافذة ليرى بزوغ اشعة الفجر.وامتداد ضياءها عبر الأفق .
_ لقد نمت حتى تناصفت الشمس في كبد السماء،..ويلي من الرايس زريق" سوف يشنقني بحبل "الخماري"
قفز "عمر" من فراشه بسرعة مذهلة فتح باب الكوخ تم أسرع بخطى حثيتة عند دالية العنب حمل الشباك والأشرعة التي كانت ملقاة تحتها منذ ليلة البارحة
_لاتسرع العجلة من الشيطان
أجاب والدته وهو يغسل وجهه من حوض الماء الملاصق لدالية العنب:
_سوف يسبقني الصيادين،ولن أجد "الفلوكة"بانتظاري،لماذا لم تقومي بإيقاضي باكراً؟!
_كيف تمخر"الفلوكة"غمار البحر والأشرعة والساري عندك؟!
توقف لبرهة وجحظت عيناه بشكل مفأجي قبل أن يضيف ببلاهة واضحة:
_صحيح عصا الساري والشراع معي،فكيف ستمخر الفلوكة"عباب البحر.
تناول"السفرطاس" من يد والدته وانطلق راكضاً باتجاه الشاطيء.
"بهلول"
هو أحد أبناء صيادي المنطقة لايتجاوز الحادية عشر من العمر،فُقد والده في إحدى رحلات الصيد التي كانت تخرج من شاطيء المنطقة بحثاً عن الرزق في يوم اشتدت فيه أمواج البحر وصارت تبتلع كل قوراب الصيد التى خالفت تنبيهات الرايس زريق وتنبئوته برداءة الطقس.
ومنذ ذلك الوقت تولى الرايس زريق كفالة ابنه الوحيد بهلول وأخذ على عاتقه تعليمه فنون الصيد والبحر حتى يشتد عوده ويستلم "فلوكة"والده.
استمر " بهلول" في الركض وهو يحمل شراع المركب بيد "والسفرطاس" باليد الأخرى ،ويرد التحية بين الفينة والأخرى على من يلتقيه من سكان حيه "زنقة الفرنسيس" قاصداً مبنى السفارة الفرنسية حيث يستخدمها البحارة كسكن لهم.
_عمي الرايس زريق....عمي الرايس زريق.
استمر بهلول بالنداء وهو يقف أمام مبنى طاله الإهمال والعبث مكون من طابقين ويحيطه سوراً على امتداد 400 متر كان يدور حول بوابته وهو ينادي بأعلى صوته:
_عمي الرايس زريق....عمي الرايس زريق
كان صوت الصيادين يأتي من داخل فناء المبنى وهم يتغنون بأهازيج اعتادوا على ترديدها وهم يعالجون شباك الصيد استعداداً لرميها في البحر
"عالموجة عايشين سهارة .. مصعبها حياة البحارة"
كان صوت الأهزوجة يرتفع وينخفض في وتيرة متغيرة ولكن بنفس واحد من الكل،بشكل يبعث الهمة في النفس.
تقدم بهلول بشيء من الحذر حتى وطئت قدماه فناء المبنى كان العشرات من الصيادين ينتشرون في فناءه،يطرحون شباكهم بانتظار أن يحملوها إلى زورقهم لبداية الصيد ومواجهة شراسة الموج.
بهلول أصغرهم سناً.....هو لم يرث المهنة فقط من والده، ولكنه ورث معها الفاقه والفقر اللذان جعلاها يخوض لجج البحر بتهور و "شجاعة" لتربية إخوته ومساعدة أمه .
_أنت جاهز؟!!
انتبه بهلول من شروده فزعاً على يد تربت على كتفه،تم مالبث أن هدأ واستكان عندما لمح وجه الرايس.
_يسعد صباحك يارايس...اعتذر لقد تأخرت في، النوم، وأمي ،أهملت أيقاظي بحجة التعب.
_لابأس،فاليوم لن نبحر، البحر شديد الهيجان ولن نجد سمك لنصطاده.
جحظت عينا بهلول لسماع ذلك فقال متسائلاً بنبرة محبطة:
_لن يكون هناك سمكاً لأبيعه اليوم؟!
ربت الرايس على رأسه في حنو وهو يضيف:
_هناك بعض السمك في الأعلى بإمكانك أخذه والتصرف فيه.
_ولكني لم اصطده! كيف أبيع شيئاً لاأملكه؟!
فجاءة لمعت عينا بهلول بقوة،وهو يرى بعض الفتيات يعبرن مبنى السفارة باتجاه الشاطيء
_هل بالإمكان أن تحتفظ لي بالساري والشراع والسفرطاس،يارايس؟!
_إلى أين؟!
_إلى الشاطيء.....إذا هدأ ثوران الموج سوف أعود إليك حالاً.....أظنك لاتحتاجني،الآن .
وضع بهلول متعلقاته بجوار الرايس وانطلق مسرعاً باتجاه الشاطيء
_بهلول...بهلول....عد هنا أيها الغبي
أن حاولت ركوب "الفلوكه" سأعاقبك.
لم يأبه بهلول لصوت الرايس،حث الخطى مسرعاً وهو يحاول اللاحق بسرب الفتيات منادياً بأعلى صوته:
_فجرة......فجرة....فجرة.
التفت فتاة صغيرة في أوائل العقد الثاني من عمرها..تجدل شعرها في ظفيرتين تلبس "ردي" من الكتان الخفيف وتحيط رقبتها بصف من الخرز، تحمل فوق رأسها سلة
_نعم يابهلول
_أريد السلة يافجرة.....
قال جملته وهو يلهث من شدة الركض خلفها،وضع يده في جيب سترته وأخرج "مليماً" وأردف قائلاً:
_اتبعينني سلتك بمليم؟!
_ عجباً.. هل تركت البحر والرايس زريق؟!
بلمحة عين وضع "المليم" في صدرها وخطف السلة من فوق رأسها وانطلق يعدو باتجاه الشاطيء وهو يصيح بصوت عال:
_لن يدفع لك البحارة الطليان أكثر من "مليم" سوف أبيع السلة بمعرفتي.
واصل بهلول الركض على الرمال الصفراء حتى وصل الشاطيء
كان البحر شديد الهيجان،ترتفع أمواجه في تلاحق مستمر موجة تلو الموجة،في غضب وهيجان.
كانت العديد من المراكب ترسو على الشاطيء في غياب واضح لبحارتها،وأسنة الرياح تعصف بالأشرعة مصدرة صوت يثير القشعريرة والخوف،ولكن بهلول لم يأبه لهول الموقف،ظل يبحث بعينين مضطربتين بين الزوارق عن " "البحارة الطليان"،لأنه يعلم جيداً أنهم لايتركون صيد السمك حتى في أوقات اضطراب البحر بسبب سكرهم الدائم.
وقع نظره على أحدهم فأسرع إليه قائلاً:
_mio Signore......mio Signore
يوجد لدي الكثير من العنب والرمان! هل تقايضها بالسمك؟!
الفتيات كنا يحملن سلال العنب والرمان يوميا لبيعها إلى البحارة الطليان الذين ضجروا من أكل السمك.
نظر إليه البحار بشكل مريب ثم أردف:
_اشتريها منك بنصف مليم؟!!
_بل أقايضك أياها بما كسبت من صيدك اليوم؟!
_ولكن صيدي أقل من عنبك ورمانك؟!
_أنا أقبل ؟!
أخذ ، الايطالي سلة الرمان والعنب في جزل وأفرغ مافي جعبة شبكته من صيد في قميص بهلول
لمعت عينا بهلول وهو يرى الإيطالي يفرغ الكثير من"الأطروط" و "البلطة" في قميصه
قفز جذلاً وهو يردد في فرح:
_كنت أعرف أنني،لن أعود خالي،الوفاض، إلى أخواتي ،لدي الكثير من السمك..لدي،الكثير من السمك
كانت طيور النورس تملأ السماء منتشية،تحلق عالياً، تعانق رذاذ الموج الهادر،والبحر يرسل مياهه لتعانق رمال الشاطيء حيث يقفز بهلول بشكل دائري مزهوا بسمكه الفاخر، وكأنها تشاركه الفرحة
معاني مفردات
:البهلول:اسم مذكر يعني كثير الضحك أو السيد جامع الخير
الفلوكة: يعني الزورق أو المركب البحري
الخماري: حبل يربط وسط الشراع لتخفيف سرعة السفينة في حال أراد النوخذة قياس عمق البحر
السفرطاس: كلمه ليست عربية من الأدوات التي كنا نضع فيها الطعام لغذاء الحرفيين
الرايس: رئيس (مخففة)، سيِّد القوم،وتطلق على رئيس الصيادين أو البحارة.
زنقة الفرنسيس : هي إحدى الشوارع القديمة في مدينة طرابلس
الأطروط والبلطة: نوع من أنواع السمك الفاخر
الكاتبة
أم ميسم
26.8.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق