شوق
كان ينتظرهما في لهفة كل ليلة فقد غيبهما الموت وهو غائب ، مات الجد وهو صغير لا يدري ما يجري حوله، هم يبكونه وهو يمرح يلهو ويضحك، حتى إذا افتقده بعد أيام طفق يبكي بجنون يضرب برجليه الأرض قائلا أريد جدي هاتوه إلى أين ذهبتم به؟
ومات أبوه. هو عنه بعيد، لم يظفر برؤية وجهه بعد أن اضطرته الدنيا إلى الهرب من قساوتها وحصونها المنيعة التي ضربت بها عليه ، أوردته سجنها الرهيب قيدته لاهي جاملته كسابق عهدها ولا هي تركته يضرب في أرض الله الواسعة بحثا عن رزقه.
بعد موت جده زاد تعلقه بأبيه أكثر وأكثر، لكن الدنيا اجتالته هو الآخر ورمت به بعيدا باحثا عن قوتهم وما يسترون به عورتهم، كان ينتظر قدومه في نهاية السنة كما ينتظر العيد، عاش حياته بالشوق فلما قضى نحبه زاد الشوق أضعافا..
فكرا في انتظار طيفهما في المنام بعد أن كبر وعلم تعذر لقائهما في اليقظة، يراوغ العقل الباطن ، يداهنه تارة وتارة يستنفره لكنه لاحياة لمن تنادي.
طال به المقام على ذلكم الحال حتى أيس من رؤيتهما فسول له الشيطان أنهما عنه غير راضين، انتابه القلق وزاد همه وأضحي وبات في شرود، يمشي بغير هدى، يخبط خبط عشواء، حتى إذا ارتمى كحلس بال في ركنه المعهود ذات ليلة واستسلم لسلطان النوم رآه بجلبابه القصيرة ولحيته البيضاء ووجهه الأنور مقبلا عليه يهش ويبش، وفي يده علامته التي بها قد عرف في حياته، مسبحته اللازوردية وقد زادت لمعانا .
كان الشوق يصفعه على َوجهه أن اغتنم الفرصة ولا تنم عن حاجتك و الظلام يسطو على المكان بمخالبه إلا زاوية اليمين التي يطل منها بابتسامته ، رافعا يده كأنه يدعوه للتسبيح .
أصبح ووجهه متهللا كأنما اقتبس من نوره، مرت سنوات وقد تزود بما يسعفه ويتقوى به على الطريق ، فإذا بطيف والده يزوره سليما معافى في أحسن صورة كان عليها قبل سقمه ومرضه الذي أقعده عن السعي يتقدم إليه يتلو آيات ربه رافعا صوته بها مجلجلة ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون.
الكاتب
إدريس الزياتي
1.8.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق