نبض نخلة: بذرة أمل//الكاتب إدريس الزياتي

الثلاثاء، 2 أغسطس 2022

بذرة أمل//الكاتب إدريس الزياتي

 بذرة أمل 


  قد أنهكته الرحلة الطويلة التي قطعها على مدى أيام، ملابسه الأنيقة قد أصابها ما أصابها من أوساخ وعرق، يتهادى بين رجل مسن وامرأة قد ترك الزمن أثره على وجهها ، خافضا جناحه لهما، غير مبال بما أصابه من شعث و نصب. في الأفق تتراءى أمواج من الخيم، لا آخر لها ، ينظر إلى الوضع كأنه قد خبر الملاجئ ، لا يهمه إلا مهمته التي جاء من أجلها.


 كانت تركز النظر إليه كأنها رأت خلاصها ، فارس أحلامها التي ظلت تبحث عنه لسنين عديدة، وجه إعلامي معروف ترك أثره العميق في قلبها ، ساعة كانت تقضي فترة تدريبية في تلك المحطة الإذاعية، كانت بحة صوته وهو يلقي محاضرته في طرق الإلقاء و فنو نه قد أسرتها، كانت جميلة مهابة الجانب فتوسط أحد الكبار لها في الالتحاق بتلك المحطة جعل كل العاملين بتوجسون منها خيفة لا أحد يمس لها طرفا مهما و صلت فداحة أخطائها، تذكرت للتو كيف كان الزملاء يحترمونها لكنها ظنت أن الوسط الثقافي التي تعمل فيه تلك ميزته وصفته .


  كان الخال صالح والخالة رفيقة كما يحلو لصبحي أن يناديهما وحيدين عندما دق بابهما يبحث عن غرفة تأويه بعد أن غادر بيت أهله في مدينة أخرى، فظروف العمل قد اقتظت ذلك ، لكنه شاب أعزب وجد صعوبة جمة في السكن، شرح لهما الوضع بصورة مؤجزة . 


  فكرا مليا عندما علما أنه فلسطيني مهجر من أرضه، بعد أن نظرا إلى بعضهما البعض ، قالا له تفضل أولا إلى الداخل لا يصح أن نتكلم هنا أمام الباب.


 صار بمثابة الإبن الذي لم يرزقاه، قد بعثه الله لهما على كبر، فحمدا الله على لطفه بهما.


   أحرقت الطائرات الأخضر واليابس وفر من فر ، واستولى من استولى على ما ترك الأهالي وراءهم من عقارات و أمتعة.


 كان صبحي يتابع عن كثب كل ما يجري في البلدة التي يسكنها ، طالتها النيران وأصبحت عرضة للقذائف ، لم ينظر خلفه عندما غادر محطة الإذاعة متجها إلى البيت ليأخذ بيد من أسدوا إليه معروفا لن ينساه.

  تقدمت لينا الحايك وهي تتفرس في و َجهه ، حتى تضايق صبحي من نظراتها ثم قال على استحياء  

 هل أستطيع مساعدتك؟


  قالت نعم كنت أبحث عن شخص أعرفه، تهيأ لي لأول وهلة أنه أنت.


    قال ربما أشبه من تبحثين عنه فهذا طبيعي.


 كانت نفسها البحة التي لم تفارق سمعها من زمن بعيد.


  تأكدت من الأمر ثم اقتربت منه قليلا كي لا يسمعها أحد فقالت تهمس في أذنه:


 ألست الأستاذ صبحي من محطة الإذاعة المحلية كذا؟


 نظر إليه في استغراب كأنه قد تفاجأ من وقع االكلمة ، كيف بأحد في هذا المخيم أن يعرف بالأمر، لعل العيون قذ زرعت في كل مكان


  ارتبك قليلا ثم أومأ لها أن يتحدثا على انفراد ، ابتعدا قليلا من الجموع بعد أن أجلس الخال والخالة على الأرض في مكان آمن غير بعيد ين عن ناظريه  


 قالت وهي تنظر إلى عينيه أنا لينا الحايك . ألم تتذكرني ياأستاذ صبحي فقد كنت متدربة لديك في الإذاعة من خمس سنوات.


  آه ووضع كفه على عينيه كأنه يقيهما وهج وجهها الوضاء نعم تذكر تك، تذكرتك جيدا يحاول أن يفكر في مخرج لما هو فيه.

وما الذي أتى بك إلى هنا، هل أنت في مهمة؟


 لا فقد فرت عائلتي من هذا الجحيم كباقي الناس ولم يعد لنا بيت نأوي إليه .

 

  نظر إليها مليا ثم قال أين هي خيمتكم هل لي أن استأمن والديك على الخال والخالة؟


  قالت بسرعة أليسا والديك ؟


، القصة طويلة أرويها لك إن أتيحت الفرصة. 


 تحول بنظره إلى الوجوه من حوله أسئلة كثيرة تقاطرت على ذهنه، وهو الذي يعرف معنى الحرب و الفقد جيدا، ونتائجها الوخيمة على المستقبل وكيف تقسم ظهر الدولة وترمي بها سنينا إلى الوراء .


  نظر إلى الأطفال فذرفت عينيه ، وتجول ببصره يرمق أولئك الضعفاء الذين باتوا في العراء، أذلاء بعدما كانوا أعزة. ينهشهم الخوف و يفضحهم المال الذي آلوا إليه، تبخرت الآمال والأحلام لكن لينا الحايك تشبثت بحلمها وهي تمسك بيد صبحي بجرأة غير معهودة قائلة :


   لنكن أنا وأنت التلميذة وأستاذها صوتا لهم نعبر عن حالهم و نمسح الحزن عن وجوههم ونزرع الأمل في قلوبهم فطالما آمنت بسلاح الكلمة كما قلت لنا في أول َ درس لك. 


الكاتب 

إدريس الزياتي

2.8.2022



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رفقا بالقوارير// الكاتبة إكرام التميمي.

رفقا بالقوارير  واستوصوا بالنساء خيرا ..  هذا قول رسولنا وحبينا  احجلالا لمكانتها العالية  فكفاكم استعلاء أيها الرجال ..   كفاكم قهرا للنساء...