نساء صغيرات
منذ أن تزوجت لم تذقني يوما طعم الراحة ولا حتى أبسط أنواع السعادة.
فهي لا تتوانى عن انتقادي مهما فعلت و مهما شعرت وتتدخل في شؤوني في كل كبيرة وصغيرة .
وفي مرة سألتها عن سر تعاملها تحديدا معي هكذا قالت لي بكل جرأة وبدون أي تردد أنه لا يعجبها أسلوب تفكيري ولا ذوقي و كل شيء يتعلق بي يختلف عنها كليا ،وأن شكوتها لزوجي يقول لي إلا اشيل بالا منها وأنها لا تقصد إيذائي.
انها أمه امرأة جلمود كالصخرة ،لا يغيرها حال ،في العقد السادس من عمرها، أول ما لفت انتباهي فيها مذ عرفتها كلامها الجاد و حزمها في أغلب الأمور .
كانت لا تنفك عن معاملتي بطريقة مزعجة إلى درجة الاستفزاز وتتهكم على تصرفاتي وتعاملني باستهتار وكأنها المثل الأعلى وأنها هي وبناتها ملكات الذوق الرفيع والأناقة والجمال.
كنت أتجنب كثيرا الرد عليها فهي ذات لسان سليط وأسلوب جارح .وصرت اتهرب من الاجتماع بها في أغلب الزيارات وأحاول إلا أحتك بها كثيرا .
لكن في أحد المرات وكما جرت العادة أخذت تسخر مني ومن أحلامي وشيئا فشيئا حتى قالت إنني أشبه أمي .
هنا فقط دق ناقوس الخطر عندي فإن كنت أتجاوز عن كل شيء فلن أتهاون في أن تسخر على امي .
هنا ثار غل في صدري وبدأت أفور وأغلي و في قرارة نفسي أني سأترك البيت وأغادر.
ووجدتني أركض وأركض حتى تراميت في أحضان أمي أبكيها وأشكوها حالي فما كان منها إلا أن ابتسمت ومسحت على شعري وربتت على كتفي وصبرتني
عدت ادراجي وما أن وصلت حتى وجدت باب المنزل مفتوح على مصراعيه تذكرت أني نسيت مفاتيحي معلقة عليه.
دب الخوف في قلبي فانطلقت مسرعة إلى غرفة نومي ودون أن أعي ارتميت على الأرض مذهولة مجبولة بين همي وحزني فقد سرقت جميع مجوهراتي انفجرت أبكي وارتعد وشلالات من القهر والدموع تكاد لا تقف لفقدان زمردة نادرة ورثتها عن جداتي .
نزلت قطرة على جبيني رفعت رأسي وجدتها هي تمد يدها بحنان على رأسي وتضمني إليها وتشاركني ألمي لعلها عادت بذاكرتها إلى موقف مماثل وقد تخلى الجميع عنها.
شلحت عقدها الذهبي ووضعته في رقبتي وهي تقول كل شيء يتعوض المهم إنك بخير .
أمسكت بيدها اقبلها بامتنان ووضعتها على جبيني فهي لأول مرة تشعرني بالدفء والحنان تقارع طبول الحب في روحي.
قد نحب وقد نكره على درجات متفاوتة ونقابل ذلك بردات فعل أيضا على درجات متفاوتة يحزننا تصرف أو كلمة أو شعور، ونرضى بمجرد ابتسامة صافية فيها حبور .
ففي قلب كل منا طفل صغير يبحث عن حضن واسع دافئ.
فما نحن سوى مجرد نساء صغيرات....
الكاتبة
نهلة النابلسي السمان
4.8.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق