نبض نخلة: مع سبق الاصرار//الكاتبة فضيلة نويقس

الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

مع سبق الاصرار//الكاتبة فضيلة نويقس


 مسابقة_اقرؤوا_لتكتبوا

التحدي_الثاني: أدب الجريمة

عنوان_القصة: مع سبق الإصرار.


           في صباح بارد اكتست فيه السماء ثوبا قاتم اللون؛ تلقى المحقق "فاهم" بلاغا عن وجود جثة الطبيبة الصيدلية "إيمان" داخل صيدلية "الشفاء" في الحي الفرعي للمدينة، تنقل على إثره رفقة وحدته إلى عين المكان.

ركن سيارته على الرصيف المقابل بسبب وجود جمع من الناس يسد الشارع، شق الصفوف إلى الداخل حيث يوجد الطبيب صاحب الصيدلية في حالة ذهول؛ كانت الجثة تستند في وضع الجلوس إلى الجدار أمام الباب الداخلي المؤدي للمخزن وقد سقطت اليدان على الجانبين، ومدت الساقان إلى الأمام، لا تبدو عليها أي آثار دماء إلا بعض القطرات خلف الرأس والتي رسمت مسار سقوطها على الجدار، وبالقرب منها هاتف تناثرت أجزاؤه.

        رفعت الجثة بعد أن عاينت وحدة الشرطة العلمية كل الآثار وأخذت البصمات، وعاد المحقق فاهم مع مساعده "نبيه" إلى المقر ليشرعا في التحقيق لاكتشاف ملابسات الوفاة.

- من الواضح أنها جريمة غير مخطط لها؛ لا توجد أداة بالمسرح.

قال نبيه جملته هذه فور استقرارهما داخل المكتب، نظر إليه فاهم بتفحص ثم أجاب: 

- غياب الأداة لا يعني غياب التخطيط... القاعدة الأولى تقول: كل جريمة متعمدة حتى يثبت العكس.

في هذه اللحظة دخل العون يستأذن دخول الطبيب الذي تقدم بخطوات مترددة بحذائه الرياضي، أشار له المحقق إلى الكرسي أمامه، ثم بادره بالسؤال:

- ما هي العلاقة التي تربطك بالضحية؟

- كانت تعمل معي.

- منذ متى؟

- منذ سنتين.

- كيف كان سلوكها في العمل؟

- منضبطة جدا... لم أر منها أي تقصير أو تصرف مخالف.

- كيف كانت علاقتك بها؟ مجرد عمل أم تتعدى لعلاقة شخصية؟ 

مسح الطبيب بعض حبيبات العرق التي تجمعت على جبينه، ثم أجاب:

- علاقة العمل هي الأساس... لكنها كانت تحدثني أحيانا عن بعض مشاكلها العائلية... هي يتيمة وتعتبرني بمكان والدها.

- أنت من أبلغ عن الجريمة؟

- نعم سيدي. 

- ماذا حدث؟ 

- كنت قد تركتها بالأمس في الصيدلية وغادرت مبكرا لشأن عائلي... يحدث هذا في بعض الأحيان... ولما... ولما أتيت في الصباح وجدتها على تلك الحال.

- صيدليتك لها مناوبة ليلية؟

تلعثم الطبيب ولكنه أجاب باقتضاب: 

- لا.

- حسنا... يمكنك الانصراف الآن وستكون لنا لقاءات أخرى بالتأكيد... الصيدلية ستظل مغلقة لحين انتهاء التحري.

        في أجواء جنائزية مهيبة شيع جثمان إيمان، وبحضور المحقق فاهم الذي استغل انصراف الجموع ليتقرب من والدتها، قدم لها التعازي مع وعد بكشف القاتل، ثم طرح عليها سؤالا واحدا: 

- هل كان لابنتك مشاكل في محيط العائلة؟

من بين دموعها أجابت بكلمات يغلب عليها النشيج: 

- ابنتي محبوبة من الجميع... كل أبناء العائلة كانوا يريدونها زوجة.

انصرف فاهم مع مساعده وقد بدأت الرؤية تتضح أمامه، لكن علامات الاستغراب كانت جلية على ملامح الآخر، فبادره:

- ومن الحب ما قتل.

فور وصولهما إلى المكتب وجدا تقرير الطب الشرعي؛ تلقفه نبيه بسرعة بينما قال فاهم بكل ثقة:

- ضربة قوية على الرأس من مسافة قريبة جدا، غالبا بسبب ارتطام قوي بالجدار.

نظر إليه بانبهار فذلك فعلا ما كان مكتوبا، فاستطرد المحقق:

- هذا الأمر واضح من البداية... المهم الآن هو نتائج البصمات وصور كاميرا محل المجوهرات المقابل للصيدلية.

في الغد تم استدعاء كل من ابن عم إيمان وابن عمتها وخطيبها دون أن يعلم بأمر الآخر، دخل ابن العمة أولا الذي أكد أنه أخ لها من الرضاعة وكانت علامات التأثر تظهر عليه بعمق كبير، فصرفه المحقق وصرف عنه النظر، دخل بعده ابن العم الذي بدا متأثرا ومرتبكا جدا، لا يكاد يقوى على صياغة إجابات مفهومة، ثم بعده دخل خطيبها بملامح جامدة، ونظرة تنضح صلابة وقسوة.

- ما علاقتك بالمجني عليها؟

- خطيبتي؟

- منذ متى؟ ومنذ متى تعرفها؟

- سنة... نتعارف من أيام الدراسة... درست صيدلة... وتخرجت مهندسا... بعد سنة من العمل تقدمت لخطبتها.

- هل كان لها خطاب من قبلك؟

- عفوا!  ما علاقة هذا بالتحقيق؟!

- هنا أنا من أسأل... وأنت تجيب فقط.

ثم لف من وراء مكتبه ليجلس مقابلا له، لكنه لم يلمح بعينيه أي تغيير ولا بنبرة صوته الواثقة.

- نعم... تقدم لها ثلاث من أبناء العائلة... اثنان تزوجا أما الثالث فمازال عزبا.

- مصطفى بن عمها؟

- نعم... هو.

- كيف كانت علاقتكما في الفترة الأخيرة؟ 

- عادية.

- هل رأيتها يوم الواقعة؟ وفي وقت من النهار؟

- نعم... عصرا، بالصيدلية... كانت بمفردها هناك.

- سجل مكالمات هاتفها يوضح أنك آخر شخص هاتفته لكنك لم ترد عليها؟!

- كنت غاضبا... كنا قد اختلفنا في أمر عملها فخرجت غاضبا. 

- وضح.

- طلبت منها مؤخرا التوقف عن العمل في لأن المكان بعيد... وبقاؤها لوقت متأخر فيه خطر... وعدتني بذلك لكنها ظلت تماطل.

- ألم تقدم لك مبررات لذلك؟ 

- بشكل واضح لا... لكنها كانت دائما تقول أنها تشك بأمر ما وعندما تتحقق منه ستتوقف عن العمل.

- يمكنك الانصراف... إذا تذكرت شيئا آخر عليك إفادتنا به... سيكون لنا لقاء آخر. 

بعد خروجه التفت فاهم لمساعده متسائلا:

- برأيك من القاتل؟!

- أظن أنه ينحصر بين ابن عمها وخطيبها... الأول كان مرتبكا وخائفا، والثاني جامدا، يحاول ادعاء الثبات.

- سنرى في النهاية من هو القاتل!

      بعد يومين من التحري رفض فيهما المحقق السماح للطبيب بإعادة تشغيل صيدليته، وقام بجولة تفحصية إليها لاحظ فيها بعض الفوضى في مخزن الأدوية، وبعض العلب المتناثرة في المكان، كما وصله خلالهما رسالة مجهولة تحتوي على بعض الصور لإيمان مع ابن عمها مصطفى مع رسالة تقول أن هذه الصور لخطيبها في نفس يوم الجريمة!

دخل فاهم إلى مكتبه، وضع مفاتيحه وأشعل سيجارته ثم التفت لنبيه قائلا:

- اليوم ستعرف القاتل... اعطني فيديوهات الكاميرا وتقرير الطب الشرعي.

أثناء تفحص الفيديوهات ظهر خروج الطبيب عند الساعة الثالثة، ثم دخول خطيبها عند الساعة الرابعة حيث بدا غاضبا وغادر مسرعا، وعاد بعده الطبيب بربع ساعة ليغادر بعد دقائق حاملا علبة كبيرة، وبعد ساعتين دخل إلى الصيدلية شخص يرتدي معطفا وقفازات سوداء،  مع قبعة ونظارات تخفي ملامحه، اختفى


الكاتبة

فضيلة نويقس

27.8.2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رفقا بالقوارير// الكاتبة إكرام التميمي.

رفقا بالقوارير  واستوصوا بالنساء خيرا ..  هذا قول رسولنا وحبينا  احجلالا لمكانتها العالية  فكفاكم استعلاء أيها الرجال ..   كفاكم قهرا للنساء...