أمّي
لازلت أحنّ إلى حضنك، ولازلت أتلذّذ حليبك الّذي يسري فيّ، ويستحيل حياة وحبّا يتنامى يوما بعد يوم. قد لا أتذكّرني وأنا أتخبّط في بطنك الطّاهر ولكنّي دائما أتخيّل أنّي فيه وأنت تطعمينني بحبل لا يربط إلاّ بينك وبيني، فنتشارك المشاعر ونتواصل، وأفهمك وتفهمينني وبذلك آخذ عنك موروثي، وطبائعي وأستحيل تدريجيّا كائنا آدميّا ينتظره كلّ الأهل حتّى يفرحوا بقدومه، ويزيّن لوحة العائلة. حبل وصالنا لا يمكن اختراقه ولا يمكن أن تشوبه شائبة إذ هو أمتن وأعصى من أن يلين لإغراءات الناس من حولنا، أو إغراءات الحياة ودروبها. بلغت من العمر عقودا قد يصعب بعدها أن تضعيني في حضنك، وأن تداعبي أطرافي الّتي اشتدّ عودها بعد أن كانت صلصالا طيّعا، لكنّي مازلت ابنك وطوع أمرك، وخادم تحت قدميك. قد أكون تقدّمت في السّنّ كي أتغذّى على حليبك وأن أنام على دندنات حنجرتك الحبيبة، لكنّ اللّقمة الّتي تعطينني إيّاها مازالت هي الأحلى والأنفع، وهي الّتي حتّى وأنا في سنّي هذا تمنحني قوّتي وبقائي، وصوتك رغم ما ناله من تعب وتغيّر مازال هو الأعذب وهو الأنعم حينما تنطقين اسمي أو تحادثينني، فأطرب له وتراني أتعمّد عدم الردّ على مناداتك حتّى استمتع بصوتك أكثر فأكثر، وأستعيد ذكريات طفولتي عندما كنت أختبئ وراء باب من أبواب الغرف، أو تحت أحد الفرش، ولكنّي استدرك بعد ذلك فأجيب لأنّي أخاف أن أكون سببا في اجهادك كما كنت وأنا بين أحضانك. أمّي أنت أصل الحكاية من ألفها إلى يائها، وأنت حلّ كلّ المتاهات في حياتي. أنت يا حبيبتي ومصدر كلّ كلمة حبّ أقولها سأظلّ أهتدي بنور حنانك، وتظلّ خطواتي على وزن دقّات قلبك الّذي يدعو لي صباحا مساء وعند المنام. أماه، أمّاه، أمّاه أنا اليوم في حاجة إلى حظنك وصوتك ينادي اسمي. فحضنك يبقى دوما رمز الأمان والطّمأنينة، وصوتك سيمفونية غير عادية جمعت بين الحبّ والحنان.
الكاتب
رشدي الخميري
23.3.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق