نبض نخلة: تيثريت//الكاتبة أم ميسم

السبت، 19 مارس 2022

تيثريت//الكاتبة أم ميسم

 تيثريت


بين الحب والخوف


أزاحت بهدوء شديد يد جدتها وهي تمسك بخصلات شعرها محاولة ضفره لها في جدائل متشابكة، استدارات إليها بحنو بالغ طبعت قبلة حانية على يدها

وهي تلتهم وجهها المتجاعد بنهم غريب. 

بادلتها الجدة نفس النظرة قبل أن تلتفت لتحرك أعواد النار التي خمدت فتعيد بحركة بسيطة اشعالها، 

رددت بعض الهمهمات الغريبة وكأنها تقرأ تعاويذ أو طلاسم تتقنها بحرفية قبل أن تبادرها بالقول: 

منذ صغرك وأنتِ تكرهين أن يضفر شعرك كجدائل، أذكر أنك كنتِ تبكين بشدة حتى تقوم والدتك بفك جدائلك، كنت تسعدين بكون شعرك منسدلا على ظهرك. 

انفرجت شفتاها عن شبه ابتسامة قبل أن تبادر جدتها بالإجابة: 

منحني الله شعراً جميلاً أحب أن اتباهى به ليس إلا ، لاعلاقة للعرق بهذا. 

اردفت تلك الجملة وهي تبتسم لجدتها بخبث:

_ هل رأيت "لايتماس" اليوم؟!

_لقد زراتني صباحاً، كانت تحمل في قرابها بعضاً من اللحم واللبن. قالت الجدة.

_ إذن بالتأكيد قد أخبرتك عن جلسة “التاغيلت”، لهذه الليلة، وأنا أتسائل عن سر إهتمامك بأن تجدلين لي شعري. 

قالت الجدة بنبرة ثابتة:

_أعرف أنك لاتحبذين هذه الجلسات،ترفضينها كما ترفضين أن يجدل شعرك.

_ولكنني أواظب على حضورها إكراما لك.

وكأنني لم أرث نسلي منكم، لازالتم تنظرون إلي كعربية لاتنتمي إليكم.

أعادت جمع شعرها بين كلتا يديها وعقصته في حركة سريعة منوترة وهي تضيف بلامبالاة:

لم أستطع منذ الصغر أن أقنع نفسي،بأنني من "ايموهاغ"ابنة المحاربين وسليلة السلاطين.،دائما كان هناك مايذكرني بأصلي العربي.

أعادت الجدة رصف أعواد الخشب ودفعها إلى أتون النار لتزداد اشتعالا.وتشيع الدفء بين جنبات الخيمة قبضت على بعض من الجمر المثناتر بين أصابعها وهي تقول بصوت خافت ويكسوه الثبات:

_نساء"ايموهاغ" كن من الجمال بحيث كان لابد لأي زائر أن يقع في حب إحداهن فور وصوله.

وأمك كانت الأجمل ، 

_أجمل مني؟!

قالت بنبرة عالية ممتزجة باستهجان وغرور يليق بامرأة من طوارق "أيموهاغ" 

قالت الجدة وهي تطيل النظر إلى حفيدتها بعين الزهو: 

_ "تانيرت" كانت تتقن الاحتفاء بجمالها وزينتها دُون قيدٍ أو شرط، كانت مطمعاً لكل فرسان "إيماجغن" و"إيمغا"/ ولكنها للأسف فضلت عليهم ذلك "العربي" الذي، فتنت به. 

شدت إليها قراب الماء، سكبت بعضا منه في وعاء الشاي المرتكز على أعواد الحطب المحترقة، همهمات بصوت خافت ولكنه شديد الوضوح: 

سحرة وعرافو "كانو" أخبروني بنهايتها الدامية مذ كانت طفلة صغيرة، تلك الكاهنة السوداء تمعنت في وجهها طويلاً قبل أن تقول لي بأن طفلتك ممسوسة وأنها حين تكبر ستلد لكم "مهرة" شديدة الجمال 

كلامها بأن "تانيرت" ستلد مهرة هو إشارة إلى أنها ستلقح من الخيل وهو يرمز للعرب. 

أزاحت عنها بهدوء مريب بعضا من ذرات التراب التي التصقت بأزارها الأزرق قبل أن تجيب جدتها:

_سيقتلك العرافون يوما ما بنبئوتهم أيتها العجوز.

أمي ماتت لأنها كانت مريضة.

_أمك ماتت لأنها كانت مثلك ترفض إرتداء التمائم لحمايتها لذلك كانت فرصة سهلة ليتملكها الجن.

أمك سكنها جنون العشق،تلبسها حتى اغواءها بعشق ذاك العربي الغريب.

وذالك ماسيحيق بك أنت أيضا ياديثرويت فانتبهي ياابنتي.

وقفت "ديثرويت" بشموخ أبرز المزيد من جمالها،وهي تحاول جاهدة أن تبلع غصة الكلمات التي نطقت بها جدتها،وضعت "الاسفاقس" فوق راسها بحركة سريعة متقنة وهي تردف:

_ "ميرا" ستعزف الليلة على "الامزاد"..."أهار" سيكون حاضراً بدون شك وسيرقص على صوتها العذب حتى الفجر لتقريب المسافة بينهم.

نظرت إلى جدتها ببعض من الأسى قبل أن تتابع:

_إذا تقدم "امنوكال" نحوي بجمل أمام الملأ وجعله ينوخ أمامي سأمره بالوقوف....لاتقلقي....فأنا ياجدتي لم أرث من والدتي ذاك الجموح والشغف، يسكنني خوفي من نبؤة عرافي وسحرة " كانو"، وتلك النظرة الحزينة التي تودعينني بها كلما خرجت مخافة أن تفقديني كوالدتي..... لا أغامر من أجل الحب...فأنا مسكونة بالخوف حتى النخاع.


#مصطلحات:

• تيثريت: اسم أنثوي ويعني نجم في السماء

• تانيرت: اسم أنثوي ويعني شديدة الجمال

  _ آهار: أسم ذكوري ويعني أسد .

_ أمنوكال: اسم ذكوري ويعني الملك .

_جلسات “تاغيلت”،:

وهي جلسات تعارف تُشبهُ جلسات عشاق العرب ومجانينهم… وفق تعبير الباحثة في قضايا المرأة

_ الامزاد:آلة موسيقية عند الطوارق تعزف عليها المرأة

_أيموهاغ: طبقة المحاربين عند الطوارق يملكون المال والسلطة يتمسكون بالعادات والتقاليد العريقة.


الكاتبة

أم ميسم

19.3.2022



هناك تعليق واحد:

ضباب بعض أيامي//الكاتبة بسمة محمد نمر الصالحي

 ضباب بعض أيامي  كأني تائهة الروح بقناطر زماني تنصب بدمع الفؤاد أحزاني تكويني تحرقني بأشواق تعصفني لمهب الريح....  تأويني بحضنها فتصب فوق رأ...