نبض نخلة: مفاتيح قارون//الكاتبة عائشة العزيزي

الأحد، 27 مارس 2022

مفاتيح قارون//الكاتبة عائشة العزيزي

 مفاتيح قارون 


أبحث عن الكلمات التي تقال ولم أجد !، عزيزتي عائشة حالي هذا صعب علی سيدة طاعنة السن مثلي، صعب عليها أن تتحمل أجواء كهذه، تارة ممطرة وأخری صقيع يهلك أطرافي التي أهلكها الدهر، ولكنني فضلت أن أعمل سعيًا علی لقمة العيش من أجل أن أُربي يتامی تركهم لي أبني بعد أن مات بمرض عُضال أكل لُب كِبده، وأكل لُب قلبي بفراقه، نعم حبيبتي أحدثك من صميم قلبي الذي توجع كثيرًا، ولكنه قلب شاخ مُصر أن تبقی به روح الشباب، كل يوم أأخذ حقيبتي ومجموعة من الزهور ومثلُها من البخور؛ لأقف بهما في إشارة المرور ما بين السيارات والمارة أتوكأ علی عجزي؛ لأبتاع تلك الأشياء وأتحصل علی اليسير من النقود لأسدُ بها أفواه الجوعی الذبن تركتهم خلفي، قررتُ أن لا أمُد يدي لأحد هذا يعطيني وذاك يلفُظني.


رددت:

ـ أعانك الله يا خالة، ولكن ، مثلُكِ يحتاج للراحة وخاصة في مثل هذا العمر.

ضحكت لي العجوز ضحكة عجيبة ممزوجة بالرضا!، رغم كل خطوط البؤس التي تعتلي جبهتها وتلك التصدعات التي تحتل وجهها وترسم فيه النحول ممزوج بحرقة الشمس التي زادت الوجه صلابة ودفء واصلت قائلة:

ـ يابُنيتي هذه الراحة لم تخلق لأمثالنا، فالحياة كلها كبد حتی وإن ملكتِ مفاتيح قارون.


نظرتُ إليها مشفقة علی حالها، ربما ماترتديه من سواد لم يكن فی الشكل المادي الذي رأيته فقط في تلك العباءة المهترئة، لا بل في الظروف والصعوبات التي خاضتها، صنعت منها جبل صامد مازال مُصر علی الثبات وتحدي الحياة، واصلت قولي لها:

ـ ألا يوجد في حياتك من يتولی أمركِ أنتِ والصغار .

كان يحضرها إيمان عجيب عندما أشارت بسبابة أُصبعها إلی أعالي السماء، ودموع التمسك به أو ربما التوسل إليه تملأها بصوت جهور تخبرني .

ـ الله....الله...الله يا بُنيتي هو من يتولی أمرنا وحده..الله .

ياالله ما هذه العجوز الذي أكلها الدهر، لقد أخرست لساني عن الكلام، ولكن لسان عقلي لم يفتر عن الحديث ثانية، وسط كل ما تعيشه من أبتلاءات وكدر ومسئولية ثلاثة أطفال بلا أبًا وتقول الله!، وغيرها يملك كل شيء ولايذكره قط ، غير ذلك يتجرأ عليه ويسب دينهُ.

قطعت شرودي قائلة بعد أن مسحت عيناها بحجابها الذي قرضه الزمن؛ لطول عمره كصاحبتهُ :

- أين شردتي ياصغيرتي؟.

ـ ها.... لا ..لا ..لم أشرد ياخالة، أنا معك، ولكن، أخبريني!، لما لم تعمل أمهم وتساعدك أو تبقي أنتِ معهُم بالبيت.

ـ أمهم تركتهم لي ورحلت؟

قاطعتها مسرعة وعلامات الخوف تعلو صوتي! :

ـ هل ماتت هي الأخری ياخالة؟، أخبريني ما الذي حدث لها ؟.

ـ لا ياعائشة .. لا يابُنيتي أمُهم تزوجت بآخر.

عندما سمعت هذا الكلام ،كأن أحد أحضر جمرة وغرسها في قلبي، وبعدها لم اتمالك هذا الأحمق الذي يسكن بين شفتي وسببتها ولعنتها، وأخذت من الوحل ليس بالقليل ولصقته بسيرتها وكان هذا من أفعال البشر الضعيف مثلي، ولكن!، وجدت هذا الهرم الأكبر يدافع عنها بكل قوة، تلتمس لها جميع الأعذار المقروءة والمكتوبة ولكنها ليست مدونة في عقول البشر الظالمة مثلي :

ـ لاياحبيبتي.... بالله عليكِ لاتنعتيها بما ليس فيها، هي أكثر من تعذب بهذا الحال.

تعجبت لكلام العجوز صار بعقلي الكثير من علامات الإستفهام التي بدأت ب"كيف"؟، ولكنها رحمت هذا الوحش الذي كان ينهش عقلي فواصلت قولها:

- إن الجمال ياحبيبتي كثيرًا ما يكون لعنة علی صاحبه، فما بالك بفتاة جميلة جدًا ولم تبلغ الثلاثين بعد ومات عنها زوجها!؟ هل سيتركها أهلها لألسنة الناس، لتكون علكة تمضغ من فم هذا لذاك؟.


في الحقيقة أن كلامها جعلني أستحي من نفسي كثيرًا، والجمرة التي أشتعلت في صدري ضدها سرعان ما تأججت وزاد لهيبها حُزنًا عليها، وعلی حسب ما سردت لي العجوز، أن تلك المسكينة تعرضت لضغوط نفسية لا يعلمها إلا الله وحده.

ـ ولكن يا خالة من يربي هذه الأطفال وأنتِ بالشارع، ومن يساعدك فی مصاريفهم وأغراضهم؟

رددت بنبرة حمد وبصدر يملؤه الصفاء قائلة:

ـ جدتهم لأمهُم أتفقت معي أن يبقوا عندها لحين عودتي، وزوج أمهُم جزاه الله خيرًا من الحين للآخر يترك لهم مبلغًا من المال محبة في زوجته، الشدة فقط في والدها وإخوتها فُهم الملعونين حقًا.

هدأت نفسي بعض الشيء، عندما شعرت أن مازال بالدنيا خير، ورغم قسوة القريب وفظاظته إلا أن أمة محمدﷺ فيها غرباء سيظل فيهما الخير إلی يوم القيامة .

أعطتني وردة من زهور قلبها الأحمر وبستانها الأخضر وقالت مبتسمة:

- إذا كانت نار الشمس تلفحُني، فبرد الله وسلامهُ يغطيني، وإذ كانت ملابسي قد اهترئت وحذائي قد بلی ، ففي الغد سأرتدي الحرير والديباج، عندما أخرج أحفادي إلی الدنيا في صورة مشرفة.

دمعت عيناي، ولم أملك إلا أن أقبل رأسها بعد أن قالت:

ـ لاتظنين بالناس الشر يا أبنتي، فيجب أن تعرفين الحقيقة كاملة أولاً، عليكِ أن تتعلمين إيضًا ألا تحكمين بظواهر الأمور، فالبحر يبدو جميل، هادئ، ولكن تسكنه الحيتان الشرسة .


عندما رأيت هذه الصورة علی الفور دار بيني وبينها هذا الحوار وهذا اللقاء وقفت معها بجوار العمود أحادثها وتحادثني أسمع صوتها المتهدج وكأني ورب الكعبة أراها حقيقة أمامي، تمنيت أن أحضنها ولكن القدر أراد أن أكتفي بتقبيل الصورة.



الكاتبة 

عائشةالعزيزي

27.3.2022



هناك تعليق واحد:

نصائح لتعيش حياة سعيدة//الكاتب زوبير بوخالفة

 نصائح لتعيش حياة سعيدة تعني السعادة العيش برضى وفرح ينبع من داخلك، ولكي تتمكن من تحقيق ذلك إليك بعض النصائح التي قد تفيدك. قم بواجبك اتجاه ...