الحِمْل.
تٍبْر،خمسينيٌة،حرمت من الأمومة.طويلة القامة،نحيفة الجسم.
زوجها ،عبد السٌميع،في عقده السٌابع.
مقعد ،منذ بلغ الخمسين.
بترت ،السٌاق اليمنى،ثم لحقتها الأخرى بعد سنتين.أورام خبيثة،كانت نتيجتها ،شيخ بلا حركة.رغم نداءاته ،لم يتمكٌن عبد السٌميع من 'كرٌوسة' .يحبو على يديه ،وركبتيه.أبعد مسافة يقطعها كلٌما ملّ فراشه ،لا تتجاوز الجلوس تحت شجرة الزٌيتون خلف المنزل المتواضع.بلا مورد رزق قارٌ،عدا المنحة الشٌهرية الٌتي يتداين عليها .تبر،لا تدٌخر جهدا في العناية بزوجها.
ملابسه الرٌثٌة ،تقوم الزٌوجة بغسلها نادرا.وحين يتحسٌن الطٌقس.فيكتفي عبد السٌميع بملابسه الخفيفة بانتظار أن تجفٌف أشعٌة الشٌمس،والرٌياح ما غسلت الزٌوجة.
غالبا ما تكتفي الأسرة بوجبة الغداء.وحين يحلٌ بالبيت،أبناء شقيق عبد السٌميع،تحتفي تبر بالضٌيوف.فطور الصٌباح،بعض البيض،وخبز الطٌابونة،وزيت الزٌيتون.للعشاء تعدٌ ربٌة البيت
رفيسا بالتٌمر ،أو عصيدة بالمرق.
فرحة وبهجة يدخلها الضٌيوف على الزٌوجين.
ما بين حكايات تبر،وعبد السٌميع،يجد الأطفال متعة لا توصف.وأحيانا يشنٌف ،المُقعد ،آذان المتحلٌقين حوله بعزف ،حزينا حينا، ومطربا حينا آخر.نايه ،لا يكاد يفارقه.رفيقه الذي يؤنسه .زيارات بعض الجيران للسٌهر أو للإطمئنان ، تخرج الأسرة الصٌغيرة من العزلة.
ما توفٌره تبر من بيع ما تجمعه من قوارير بلاستيكيٌة وغيرها ،تقتني به بعض الأدوية أو
ما يلزم من موادٌ غذائية ضروريٌة.
مع الفجر،تنطلق الزوجة في رحلتها اليوميٌة الشٌاقٌة.جولات ،تعرف مسارها.حاويات بمواقع بعينها.قرب المطاعم والمقاهي،وبجانب منازل بعض الميسورين تجمع المرأة بهمٌة وعزم.لا تبالي بالرٌوائح المنبعثة،ولا بنظرات بعض المارٌة الذين يتصورون أنٌها تبحث عن فضلات للغذاء.لا تهتمٌ ،تبر،بنفسها كثيرا ولا بتغيير ملابسها.قد تصرٌ عليها إحدى جاراتها لمرافقتها 'للحمٌام' بالمدينة وتتكفٌل بخلاص الأجرة بدلا عنها.معاناة قد تمتدٌ للمساء.
لكامل الفصول يتواصل كفاح، تبر.
غالبا ما تعجز عن سداد فواتير الماء والكهرباء
الٌتي تتراكم لأشهر.حلم يراود المرأة المكافحة
لتوفير 'كرٌوسة ' لزوجها المقعد.
كما تطمح لتكوين مجمٌع لمثيلاتها لتتحسٌن مداخيلهن جميعا.البلاستيك يغزو الشٌوارع والأنهج.منظر مزعج .رغم أنها لم ترتد مدرسة في حياتها.فاتحت والدتها ذات مرٌة،فأجابتها بأن عمرها تجاوز السٌنٌ القانونيٌة.تمٌ تسجيل ولادتها بعد عشر سنوات..لكن المرأة تبدو ذات ثقافة اجتماعيٌة وعلى درجة كبيرة من الوعي بأهمٌية النٌظافة.
بنوافذ البيت الصٌغير ،
استغلٌت بعض أوعية موادٌ التٌنظيف الفارغة،
وتفنٌنت في تحويلها إلى أحواض .نعناع وأنواع شتٌى من الورود.لا تجد حرجا في طلب بعض المشاتل .ولكنٌها تتعفٌف عن طلب المساعدة من أيٌ كان رغم قلٌة ذات اليد.
في إحدى زيارات أبناء شقيق زوجها ،فاتحها أكبرهم سنٌا..
_خالتي تبر...هناك جمعيٌة تهتمٌ بالبيئة.
ما رأيك،سأراسلها.ربٌما تهتمٌ بمشروع المجمٌع؟
بالإمكان إبلاغهم عن طريق الانترنيت..
وبدون انتظار ردٌها،أبحر الطٌفل عبر هاتفه الجوٌال ...
مساء الغد ،عاد ريٌان مبتهجا ،وهو يعانق تبر...
_ يوم الجمعة القادم سيأتي من يمثٌل الجمعيٌة...ابشري يا خالة..حلمك سيتحقٌق...
أقفلت تبر المذياع.لتستمتع بالخبر السٌارٌ..
ملٌت وسئمت أحاديث مطوٌلة،ومكرٌرة حول وضعيٌة مثيلاتها...المرأة الرٌيفيٌة...تغطية اجتماعيٌة..جمعيات نسوية...تتحمٌل أحيانا ما يقال، على مضض وهي تنتظر النٌشرة الجويٌة...أمٌا إذا كان الملفٌٌ ،متلفزا،فهي تخلد للنٌوم حال انطلاق البرنامج...زيف،برامج وهميٌة ..ولا شيء ممٌا يقال على أرض الواقع.
هي متأكٌدة ،بأنٌها لن تنام قبل منتصف الليل كعادتها ...
صباح الأربعاء ،سيٌارة غريبة تحلٌ بالمكان .
مطر غزير يهطل،منع تبر من الخروج للعمل.
_خالتي تبر،خالي عبد السميع...
تخرج ربٌة البيت ..يعترضها عبد الكريم، ابن الجيران المقيم بالخارج منذ سنوات..أمام المنزل...صندوق كبير،حقيبة ،وخضر وغلال ولحم .
أدخلته ربة البيت بعد أن احتضنته.هو بمثابة ابنها..احتضن ،عبد السٌميع،وبسرعة فاجأه،حين فتح العلبة الكبيرة...'كرٌوسة' بالمحرٌك...ملابس للشيخ ولزوحته..وهدايا مختلفة...دمعت عينا عبد السميع،وهو يشكر
الشٌابٌ على كرمه...تبر تدعو بالخير،وهي تقبل يد الضٌيف ...ناولته كأس الشٌاي...
أحاديث ،وذكريات وظروف المغترب...
قبيل مناصف النهار استأذن عبد الكريم .مشوار مهم بانتظاره...رغم إلحاح أهل البيت ،اعتذر الشٌاب ...انقضٌت ،تبر على الدٌيك ،الٌذي احتمى من المطر وراء الباب،ربطته جيدا و أصرٌت على ابن الجيران
ليأخذه..
_ مرق لحم الدٌجاج العربي...مفيد في القرُة.
نزولا عند رغبتها أخذ عبد الكريم بخاطر المرأة.
الكاتب
صلاح لافي
1.2.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق