نبض نخلة: صابرة//الكاتب صلاح لافي

الخميس، 10 فبراير 2022

صابرة//الكاتب صلاح لافي

 صابرة...


أمٌاه ...أنت في القبر...

عذرا أبي ...نفذ صبري ..

صابرة أنا ...فإلام تحمٌلي ؟

فماذا عساه يخبٌيء قدري ...

آه من جويلية الطويل ..فلا يكفي الحرٌ حتى يزيد الشٌهر بيوم ..

 

منذ أن علمت بقصتها وهي تتطيٌر من الشٌهر ..

- جدٌتي.. جدٌتي أرجوك أريد سماع أصل الحكاية منك،لأنك شاهدة.. كل واحد يرويها

بشكل..

- يا بنيٌتي ،لماذا هذا الإصرار ؟ ..ما زلت صغيرة على مثل هذه الأمور ..حين تكبرين ،أعدك بكامل التفاصيل..الآن انصرفي لدروسك،الإمتحانات اقتربت.. 

- حنٌه ..حنٌه ..بربٌك احكيلي ..

ثم تبدأ البنيٌة بالبكاء ...

- من أين أبدأ؟ تمتمت الجدٌة..

 صبرا ..سمٌيناك صابرة لتصبري..

كانت المرحومة في شهرها ..بقيت لمدٌة أسبوع أو أكثر هنا بجانبنا. بمناسبة نيل خالك شهادة الباكالوريا ..ثم رجعت بعد أسبوع لمنزلكم. ..برفقة إخوتك . كبيرتكم عمرها آنذاك خمس سنوات ،والأصغر لم يبلغ السٌنتين.

بلغنا أنها أصيبت بلدغة عقرب ..لم يكن الأمر بالخطيرفي البداية ..

لكن حين جاءها المخاض،بعد يومين ونظرا لبعد المكان عن المستشفى ..فقد تعكٌرت حالتها ..

الأسبوع الثٌالث من جويلية 'يوليو ' بداية ثمانينات القرن الماضي .

يوم السبت ...

ثم انهمر الدٌمع من عيون الجدٌة كمدا على ابنتها البكر ..زاده نحيب صابرة وجعا وحزنا .

- يمٌه ..الله يرحمها ..اكملي ..اكملي .. 

تتمالك الجدٌة نفسها من جديد ..هي تدرك أنه لابدٌ أن تأخذ البنت الصٌدمة اللازمة أفضل من أن تبقى جاهلة بالحكاية ..ورهينة لما يروى هنا وهناك من أقرانها بالمدرسة أو من أبناء الجيران ..

- ابنتي العزيزة.ربٌي أكرمها..إن شاء الله في الجنٌة ...

جميعنا سنموت يوما..بحسب أجلنا.

تستعيد البنية أنفاسها .

-لن أبكي يمٌة ...سأستمع للحكاية إلى النهاية ..وأعدك.. هذه آخر مرٌة نتحدٌث في الموضوع...هذا وعد مني ..ووعد الحرٌ دين كما تقول آنستي بالمدرسة ...

- جاءنا الخبر ذات فجر ..وسائل النٌقل لم تكن متوفٌرة ولا حتٌى الهاتف..

خالك ، كان يشتغل غير بعيد عن منزلكم. وصادف وجود خالك الذي فرحنا بنجاحه برفقته.الخبر وصلهم بعد ساعة.

ما ذا عساني أحكي ؟

لا أدري كيف وصلت إلى هناك.

كنت، يا كبدي ،ملفوفة في قطعة قماش ...لم يلتفت إليك أحدا ..بسبب الجهل تصورنا أنك سبب وفاتها...

الحيٌ، أبجل من الميٌت ..لكن وقتها ، من كان ليعتني بك يا كبدي؟


أن ترضع صابرة من الحليب المجفف باهض الثمن حينها أو تجوع ..نتيجة فقدان العلبة من الأسواق..لم يكن الأمر مهما ..ستعطى ماءً بالسكٌر ..أو قد تدرٌ عليها إحدى الجارات حليبا من صدرها ..ما بين منزل الجد من الأم ، ومنزل الفقيدة تتواصل الرٌحلة للأيتام الأربعة...

ما أقصى يتمٌ الأمٌ مهما وجد اليتيم من رعاية ..شعور داخله بفراغ رهيب ..

بحاجة ماسٌة للمسة حنان ..لحضن دافء لا يعوٌضه أيٌ حضن آخر.. إنٌه الفقد وكفى..

مواظبة على الدٌراسة ..نجاح متواصل .. 'سيزيام '..'باكالوريا' ..إجازة ..

تعوٌل الشٌابة على نفسها، تصبح وكأنٌها مسؤولة عن إخوتها.. تنصح هذا وتلوم تلك ..

كانت مثابرة في عملها بمختلف المؤسسات الٌتي اشتغلت بها بالقطاع الخاص .

كانت محلٌ ثقة من الجميع .حكيمة في مصاريفها على قلٌتها.. مساهمة في تحسين المسكن كما في مصاريف العائلة ..

مصيبة أخرى ..فقدان الأب يعيدها للمربٌع الأوٌل ..الحزن ..فجيعة الموت..

-يا الله ..ماذا يخبيء لنا القدر؟ ما ذنب الوالد أنه يملك بطاقة علاج معوزين ؟

ما ذنبه أن الدٌواء لم يكن متوفٌرا ؟ 

فحالته تتعكٌر نهاية الأسبوع و الصيدلية المسؤولة عن التوزيع مغلقة؟

ما ذنبه أنٌه لا يملك ثمن الدٌواء الباهظ؟

إنٌه السٌرطان.. ومن يقدر عليه؟

لقد كابد وصبر وتحمٌل العلاج وآلامه ؟ المواعيد كانت ترهقه ..لولا قدرته العجيبة على الكتمان والصبر.

الجمعة مساء.. أوائل جانفي ..'يناير'

يعلن الطبيب المباشر الوفاة .. عقب' السكانار'

 قبيل ساعات كان الجميع بجانبه ..كانت أنفاسه تتسارع ..العرق يتصبٌب من الجبين ..كان يطلب الماء باستمرار..

آه ...حين يصيب الكبد...الموت المحدق..


وتستمرٌ الحياة وتكابر الشٌابة..

استوعبت الصٌدمة ..للمرٌة الثٌانية .

تعلٌق الآمال على الوعود ..

سيتم تشغيلك..كحالة اجتماعية معوزة...سوف...قريبا الإعلان عن ..تتٌجٌه النيٌة إلى ..

كالبطاقة ..من كذبة بيضاء إلى أخرى 

زوايا مظلمة ..

قصور قاصرة ..ومقصٌرة ...

تقصير هنا ..خلل هناك ...زيف ونفاق ...بلا حدود..

تقبل صابرة ،مكابرة ،على الحياة من جديد ..تواصل عملها معتمدة على نفسها ..

جويلية ...جانفي ...

ما أقصى ذكرى هذه الأشهرفي نفسها.

 حتٌى زواجها رفضت أن يكون موعده شهر جويلية .

همست الحلاٌقة للحاضرات ..

-ما شاء الله ...انظرن لطول شعر العروس...

-آه لو تدرين ؟ طول الشٌهر أم الشٌعر؟ مأساتي أطول مما تتصوٌرن ....

لماذا لا يعيد التٌاريخ نفسه إلا في شكل مأساة؟

 بأحد أقسام المستشفى ...هناك بعيدا...

اعذريني ،يا حماتي 

قد تضيع أمنياتي 

وحياتي ما ذا تعني ؟

مثلها مثل مماتي 

ضاع حلمي وشبابي 

وجنيني ....

تتواصل إقامة صابرة...ما بين زيارتي الطبيب تغفو ..

ها هي تناجي ابنتها ...

-لا يا صغيرتي لن يأخذك الموت منٌي هذه المرٌة؟ سأتٌخذ كل الاحتياطات ..

 حتٌى أني أحضرت لك ملابس جميلة ..

حتى الدٌمية فكٌرت في اقتنائها ....قد أسمٌيك صبرة ...

لا لا ...صابرين، ربٌما أفضل ..

أفكٌر في.. أنس... قد يكون جميلا وتناسبينه...

ويناسبني ...لتؤنسيني ....

الحالة تتعكٌر ....الطٌبيب يحلٌ بسرعة بالغرفة.....

صمت مخيف ينذر بكارثة ...

حركيٌة غير عاديٌة بقسم العناية المركٌزة..

- المريضة بالغرفة المجاورة ،حالتها تتعكٌر. تسجيب الطٌبيبة للنٌداء ...

على جناح السٌرعة ...التٌنفس الاصطناعي ...الصٌعقة الكهربائيٌة ...

الصٌاعقة....

جوان ...جويلية .... جانفي ....

جيم ،و جاري البحث عن جودة منظومة صحٌية ...مهترئة...

وجنازة في موكب مهيب ...

فتاة ،وجنينها، في صندوق الموتى .. باتٌجاه ...المقبرة،لتلتحق بوالديها...

نزيل جديد ..

 ذات شهر رمضان ...

عدالة السٌماء ستنصفهم حتما ...


الكاتب 

صلاح لافي

10.1.2022



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رحلة قطار//الكاتب أركان القره لوسي

 رحـــلــةقـــطـــار رحـلت يـومـا بـعـيدا بأمـنـياتـي في سفرٍ طويلٍ بقطار المسراتِ فـأذا بـجليسةٍ رافـقـتني سـفري  كانت كنجمةٍ في أفق السماو...