غواية التحليق نحو الشمس
يتراقص الموج بالأعلى بشكل غير عادي،الأمر الذي جعلني أتنقل بين طبقاته برشاقة مذهلة ِ..اتقلب جزلي مرة على ظهري ومرة ألف بجانبي ومرة أخرى أصعد للأعلى بشكل رأسي يدعوني ذلك البريق الذهبي للصعود أكثر فأكثر وكلما أوغلت تخللني الدفء فأنصاع له لتنساح فيني لذة التحرر من المكوث فالقاع... أشرت بزعنفتي الغضة للرفيقات وبدأنا ندور في حلقة حلزونية تحلق للأعلى وكأننا عصافير وزعانفنا أجنحة تلثم شعاع الشمس فأشتعل رغبة في احتضانها... ترى هل سأبلغها يوماً، ربما هي ليست بذلك العلو عن سطح الماء، لا بالتأكيد هي ليست بعيدة وقد أصلها بقفزة واحدة كما رأيت نفسي أفعلها في أحلامي ِ...
في حواديت جدتنا كانت تهرب عروس البحر مع صياد شاب ويتحول ذيلها إلى قدمين وعندما ترى الجدة ما شاع فينا من أحلام نزقة ترمقنا بخبث وتدعي أن عروس البحر أصابها الإكتئاب بعد ذلك وندمت على تخليها عن صهوة الماء...
جذبتُ نفساً عميقاً ودفعتُ نفسي للأعلى أكثر، تتسارع دقات قلبي، إذ أنها المرة. الأولى التي أرتقي فيها للأعلى هكذا، يا للروعة! ضوء الشمس يبهرني كلما اقتربت.. تزداد أجساد رفيقاتي لمعاناً فيه ويكأننا حوريات من لجين، ها نحن ذا قاب قوسين أو أدنى من السطح... تقول الجدة أنه لا ينبغي أن يسمى بالسطح! فهي ترى أن قاع البحر هو قمته! بدليل وجود جبال ونباتات فيه عكس ما يسمى بالسطح،...
_ لماذا لا توجد به شمس يا جدتي؟! أليس لكل قمة شمس تشرق عندها وتتوارى خلفها وقت المغيب؟!
الشمس نار ولا ينبغي للنار أن يحتويها الماء!
جذبتُ نفساً أعمق وبإصرار سادر دفعتُ نفسي للأعلى أكثر، طفوت، طعم الماء مختلف بالأعلى ، وأول مرة أعرف أن له صوت كلما صفعناه بزعانفنا يبقبق وكأنه صغير يضحك!، بدأنا في القفز للأعلى.. نحاول احتضان الشمس.. قفزة! قفزتان! ثلاثة! ما هذا؟! شئ ما التف علينا، كبلنا كوحش بحر خرافي، حاولنا الإفلات منه، تدافعنا، شيء أقوى منا يسحبنا صوب اليابسة، ضاقت أنفاسنا ، نختنق، هل غدرت بنا الشمس وأرسلت أحد وحوشها؟! هل ظنت أننا أتيناها في حرب؟!
_ أتينا محبين أيتها الشمس فلا تغدرينا!
_لماذا تصمتين وكأنك ترتضين لمن يحبك الذل في بلاطك الملكي اللعين؟!
سحبنا العدو المجهول أكثر.. ملأت الرمال خيشوميّ، أنسحقت، هدير غير مسبوق برأسي، بدأ يخلصنا من تلك القيود، سحبني بقوة، ضربته بذيلي، أه تمزقت زعنفتي اليسرى، سحبني أكثر فانقطعت تماما اليمنى، اخرجني مطبقاً عليّ..
_فلتتوقف اللعبة الآن أيتها الرفيقات فقد صارت سخيفة
لم يرد علي أحد ، أشعر أني حشرة بحر تافهة تواجه عدواً معتوهاً وحدها..
سمعت صوت الجدة = لا تأمنوا للأنسان فهو عدو غبي، قاتل يتفنن في صنع أسلحة تفتك به وبمن حوله، لا يعرف الحب، هو الوحش الحقيقي الذي علينا خشيته!
ضربته بذيلي ضربات متتالية فصرخ في غضب
وعندما علق نشابه في حلقي وحَزَّني إلى الخاصرة أنفرطت روحي كذرات نثرتها ريح عاصفة، وجحظت عيناي للأعلى، فتلقفني وجه الشمس بهيًا كعادته ومدت نحوي شعاع حلم مخاتل، فأنتفضت وبي رمق من الحياة وقفزت من يده صوبها وهنا أدركت كم كانت بعيدة وكم كان الأسفل رفيقًا وكأن العالم قد.انقلب على عقب فبدلًا من التحليق للأعلى تهاويت دفعة واحدة إلى العمق وتناثرت أحشائي كشعر أميرة مهزومة ذات حرب....
الكاتبة
هويدا سالم
8.2.2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق