ضحايا في ظل القدر
عائشة فتاة في الخامسة عشر من عمرها ، تقطن في بيت صغير مع والديها في بيئة ريفية . حلم عائشة كحلم أي فتاة تريد تحصيل شهادة الثانوي والدراسة بالجامعة في المدينة كباقي زميلاتها وأقرانها ، لكن القدر شاء غير ذلك أمام تعنت والدها الذي لم يلق بالا لبكائها وتوسلاتها لأنها فتاة ومصيرها بيت زوجها .
حاولت أن تعتاد على حياتها هكذا لتسترق لحظاتها الحلوة بين اليقظة والحلم ، يرتسم على ملامح وجهها الملائكي خجل يزيدها سحر وجمال لتبهر من حولها برقة وأنوثة فتاة بعبق الياسمين .
كانت تحمل في عينيها مزيجا متناسقا بين الحب والعشق والغرام ، لابن الجيران أحمد علمها هو كيف تحبه فأدمنته وأصبح الشوق يأخذها إليه رغم البعد والغياب على جناح حمامة بيضاء .
كان أحمد يعيش حياة المغترب يكد بجد ليكمل رسالته في دراسة الطب ، كان يحبها جدا ويراسلها بإستمرار يشتكي لها لوعة البعد ونار الفراق ، فقد ملّ الإنتظار وأحترق شوقا لملاقاة حبيبته .
مضى أسبوع كامل على آخر رسالة بعثها ولم ترد عليه ، كانت نفسها كئيبة ترغب فقط بالعزلة والإنفراد و البكاء ، لما سمعت بخبر زواجها هذا القرار المصيري الذي لم يكن لها الحق في أن ترفض أو حتى في أن تقبل فالموافقة قد انتهت من الأب لا مفر لها من القدر المحتوم ، فقررت أن تخبره أنها ستتزوج بعد شهر فقط .
كتبت له تتودده : أحمد حبيبي لم أستطع مصارحتك بالحقيقة من قبل ، حاولت إخفاء الأمر عنك لربما أصل لحل أو لإقناع أهلي عن العدول في أمر زواجي ولكن ..!! هيهات لا حياة لمن تنادي ؛ فآثرت الهرب منك وأنا أموت في الثانية مليون مرة ؛ تعرف جيدا أن الذي بيننا أكثر من مجرد مشاعر وأحاسيس ، الذي بيننا علاقة تجاوزت العتاب و مراحل الشك فاقت كل الجمال وتجاوزت جاذبية الحب إلى العشق ، الذي بيننا لا يحطمه البعد ولا الغياب .!
وصيتي لك بحق حبنا الطاهر العفيف أن تحتفظ بذكرياتنا الجميلة حتى لو كانت على صفيح ورق فروحي كلها بين تلك الحروف التي كنت أكتبها لك بحبري دمي
استلم أحمد رسالتها بعد طول انتظار كله شوق ولهفة لملاقاة عائشة عبر رسالتها ، فجأة جن جنونه حين قرأ فحواها ، تساقطت دموع اللوعة من عينه وهو يحترق ألما ، لم يكن يستوعب ماذا يقرأ كان يقلب في ظرف الرسالة ممكن جدا تكون من شخص آخر وصلته بالخطأ .
كل ما في الوجود اندثر في لحظة أمامي وأنا أقف على عتبة حبنا متشوقا للقاء ، كنت أنتظر حمامتنا البيضاء لتحمل رسالتك مكللة بأريج عطرك عطري المحبب ، كلها حب غزل وهيام ، فإذا بها سكاكين من سجيل إنهالت على قلبي العاشق فتاه النبض مني وانكسر ، فأردته قتيلا .
كيف أغفر لك مرارة وجعي يا نبض حبي ويا عمري الذي لا يعرف هدنة الحب ، كيف ؟! حقا لا أعرف !
فعذرا لعمري الذي كنت أنت له عمرا .........
وبرعشة عاشق مجروح ينزف كان هذا رده على رسالتها .
كانت هذه آخر رسائله ، وهذه المرة لم تستلم عائشة من الحمامة البيضاء بل استلمتها من ساعي البريد ويداها مزينة بنقش الحناء ، كانت ليلة زفافها من ابن عمها المرغمة عليه والمغرمة بغيره
وفي بعض سطور وكلمات تلاشت جل أحلامها لتصبح ذكرى من ذكريات الزمن الجميل .
وهكذا عاشت لا تتوسل حنين أحد فقط تقوم بواجبها لا تبحث عن فرح ولا تستدعي حزن ففي قلبها شيء لا يحكى ولا يبكى كدمة لا تشفى أبدا .
كل ليلة تفتح صندوق رسائله تتفقدها وتشم عطره العالق عليها .!
ما زال في قلبها حنين إليه ....................و ربما سيلاحقها طيفه العمر كله .؟!
الكاتبة
جنى محمد الشيباني
8.2.2022
رووعاتك.. 🌹
ردحذف