عانس القلب
من العجوز الشابة إلی من كانت تناديني دائمًا بهذا اللقب، إلی من عودت نفسها علی الصراخ بوجهي؛ وكأنها تعاقبني علی ذنب لم أقترفه، لأنها لم تفرح بابنتها كبقية الأمهات، لن أنسی إلحاحكِ علي بقولك:
- عليكِ أن تلبسي وتتزيني كالفتيات، ولا تكوني صامتة خجولة، لعلك تأتين بعريس بين يديك بدلًا من جلوسك بجواري.
نعم حبيبتي، فمع طول تذمرك وسخطك، وزواج الأقارب والجيران من حولي، وقلقك الدائم على عمري الضائع شعرت أنني عبء ثقيل وجب التخلص منه، رضخت لكلامك وسمعت لنصحك، فلونت وجهي بالمساحيق، وضيقت هندامي، تبخترت في مشيتي وكلامي، وأصبحت عارضة لأزيائي أغير في تسريحتي وفستاني، أذهب من دجال إلی آخر حتى يأتي العريس ويهدأ قلبك، وترتاحي من الغمز واللمز الذي تسمعينه علی ألسنة جميع من عرفنا، كنت أشعر وكأني أرتكبت فاجعة في حق البشرية أجمع، وبعد أن أصبحت علی يديكِ أضحوكة لهم في الأفراح تارة والمتنزهات أخرى، وقعت في يد ذلك الغول الأسود، لقد جاء ليخلصك من عنوستي التي عذبتك كثيرًا، ولكن في الحقيقة يا أمي لم أشعر بهذا اللقب إلا وأنا معه، نعم لقد ضاعت حياتي، أستطاع أن يغرس كفه في قلبي ليجتس أوردتي ويسحق بلا رفق مسراتي، علی يديه شعرت بمعنی الغربة الحقيقية، وما أصعب وأشد ألمًا من غربة الذات!. هل تعلمين أنه الآن يستعذب أناتي، يجلد قلبي، آه يا أمي لو ترينه وهو ينهشني كل يوم بمخالبه تارة، ولسانه أخرى، لقد كرهت كل شيء حولي، ساعة مجيئه، رائحة سجائره، عرقه النتن كأخلاقه، كرهت الليل الذي يجمعنا فيه الشجار وصوته الذي يشبه صافرة الإطفاء في أذني، كرهت البيت وما تحويه أركانه المتحجرة، معه أصبحت ميتة علی قيد الحياة يا أمي، اليوم أكتب إليكِ بحبر الدموع كل ما أشعر به وأعيشه، لعلك تسمعين ارتجافاتي، فمن أجل الناس خرجت من راحتي وغرقت في بئر الشقاء، اليوم فقط يا أمي أصبحت العجوز الشابة كما كنتِ تنعتينني دائمًا، لقد أصبحت عانس القلب بعد أن دمرتني كلماتك، فرميت بنفسي في أحضان الغابة فالتقفتني دون رحمة؛ حاولت الهرب لكنه حاصرني، اعلمي أن ما أنا عليه الآن هو نتاجك وفعل يدك، كان قلبي متصحرًا يحتاج إلى مطر يرويه أمّا اليوم فقد أصبحت أرضًا رملية أنهار العالم لا تكفيها لكي تزهر من جديد، مساحيقك لم تنفعني وكلامك لم يروِ ظمئي، ولا أسكنتني ضحكاتي المفتعلة جنة، أو زاد تبختري من جمالي في عينيه، فأنا اليوم معذبة من أجل أن أهرب من لقب العنوسة التي وضعها مجتمع جاهل مشنقة في رقابنا، سؤالي لكِ الآن يا أمي هل رُحمتِ من الناس أم زاد حالي عذابك فجعلكِ تطلبين رحمة خالقهم؟ أعلم أنكِ تبكين الآن حبيبتي وأنتِ تقرئين رسالتي ، لكن دموعك الآن لن تُجديني نفعًا، فبعد تجربتي هذه أتمنی لو أصرخ في كل أُم؛ لكي أُخبرها أن كل شيء خلق بقدر، وأن الجنة لا تدخل بغضب خالقها، لذلك عليكِ أن تتأكدي يا أمي أن نصائحك جاءتني بعريس ولم تأتِني برجل.. بقلب موجوع، ونفس متعبة أودعك حبيبتي.
الكاتبة
عائشةالعزيزي
1.2.2022
روووعاتك💐
ردحذف