" براكين اللهفة "
هذا المساء وفي ساعة متأخرة من الحنين داهمتني الذكريات تمتطي صهوة الأحلام ، تباغت ليلي الطويل صهيل الاشواق ،وها هي ذكرياتي تؤرقني وتسرقني من نفسي .
حاولت ان أغمض عيني واتجاهل هذا الأرق اللعين ،لعلي أغط في سبات عميق ...
لكن عبثاً أحاول !.
لم يعرف النوم سبيلا إلى جفوني ، فها أنت تحاول بعثرتي من جديد .
حاولت اللجوء إلى الكتابة فهي سبيلي الوحيد لأعيد أنفاسي ونبضات قلبي إليّ طبيعتها،
أمسكت بقلمي لكني لا زلت أعاني من فتور في كلماتي ، فتركت قلمي وأوراقي تنوء بثقل ما بها .
ورحت أنبش أدراج ذاكرتي ودفاتر اللهفة ، وفي داخلي شعور اليأس المسكين .
وفي غمرة انشغالي بترتيب أفكاري و أشيائي القديمة اجتاحتني الدهشة :فأنا ما زلت احتفظ برسالته الأخيرة .
أثارني الفضول لأقرأ بعضاً من بقايا جرحي الدفين .
انتظريني سأعود ولو بعد حين !.
لقد اختارك قلبي والقلب لا يكذب أو يخون .
حينها أمسكت بقلمي ثانية وبدأت أخط كلماتي إليه .
" ها هي السنون العجاف قد مضت سبع سنين، أو ربما أكثر من ذلك .
وأنا لا زلت احتفظ ببقاياك بين دفتي هذا القلب .
وكلما تمعنت في ملامحك يتوارى طيفك خجلاً ربما أو ربما من أثر السنين .
تبدو غاضبا ، ثائرا أو باسماً ثم تتوارى من جديد .
أعلم أن صورتك بدأت تتلاشى قليلاً أو ربما غطتها أغبرة الأشواق والحنين .
لكني ما زلت احتفظ ببقايا عطرك الثمين وبعضاً من الحنين .
لا أدري مالذي جعلني اقرأوك اليوم ؟
ما الذي أعاد وهج كلماتك في أعماقي ؟
أتراه موعدنا الحزين ؟....
الآن وبعد سنيني العجاف لا زلت انتظرك .
لا زلت أتأرجح بين الحقيقةوالخيال .
آه لو تعلم كم رجوت الليل كي يطول لعلي اراك في منامي ..
وكم داعبت جدائل الغيم كي يهطلك في أحلامي .
لقد صرت أشبه بسحابة ماطرة تذرف قطاراتها دموع لا تكاد تجف حتى تعود من جديد .
ختمت رسالتي وغلفتها بدموع العين .
وعدت ألتحف الذكرى وشاحاً دافئاً حيناً وصقيعاً أحيانا كثيرة .
وفي صباح اليوم التالي خرجت الشمس من مخدعها لتدب الحياة .
وشق الفجر بنوره ظلمة غرفتي ، ففتحت عيناي متثاقلة وثبت من السرير بسرعة وكأن الليل ما كان يعنيني ، أعددت فنجان قهوتي ارتشفتها على مهل ، ارتديت اجمل ملابسي وخرجت مسرعة إلى المحطة .
جلست في ذات المقهى وذات المقعد المواجه لغيابه .
وفي ذات المكان وذات الزمان من كل عام يسرقني الحنين إليه .
حيث كان يجلس يومها مقابلاً لدهشتي لأستعيد لحظاتي الأولى معه .
تمتمت بامتعاض :لقد تأخرت كثيراً أيها الحب .
بت لا أثق بك ولا بوعودك الكاذبة .
اغرورقت عيناي بالدموع ، تمسكت بكبريائي ونظرت نحو النافذة .
حدقت بزجاجها ، فلمحت نفسي من خلالها .
كانت نيران قلبي تشتعل وتنطفيء بداخلي دون أي أثر .
صرخت في نفسي متسائلة :يا إلهي ..
ماذا فعلت بنفسك يا أحلام .؟
ألا زلت تقفين في المنتصف ؟
ألهذه الدرجة العودة إلى الماضي موجع والمضي قدما إلى المجهول أليم ؟
أكان الرحيل مقيتاً إلى درجة الغثيان ؟
إلى متى ستنتظرين وهماً لا يعود ؟
عندها تذكرت قول أحدهم "لا بد لكل بداية من نهاية " والآن حانت النهاية.
أمسكت الرسالة ومزقتها وضعتها على المنضدة أمامي وحملت معطفي وغادرت مسرعة كي لا تعيدني إليه براكين اللهفة .
الكاتبة
اكرام التميمي
2.11.2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق