البسطاء يدخلون الجنة
عندما يفتح عيناه مستيقظاً من نومه الذي لم يدم أكثر من أربع ساعات
تبدو عيناه كزهرة البنفسج التي ماتكاد أن تفتح حتى تغلق
ورغم شوقه للعودة إلى إكمال متعة نومه
وجسده الذي يصرخ متوسلا بكل كلمات الرحمة التي خلقها الله
أن يتعطف عليه بالعودة إلى سريره الذي ينسلخ منه كما ينسلخ الجلد من فوق لحم الذبيحة
ورغم ذلك كله استجمع قوته ولملم شتات نفسه
واحتضن بشارات الفجر بنسمات الصبح العليل البكر
وقطرات نداه الملقاة على نوافذ حجرات النائمين والسيارات الغافية على جنبات الطرق
وتداعب بعض المرايا ونوافذ سيارات مدينتنا المثقلة
بما حملت من أمثالى اللاهثين خلف عقارب ساعاتهم
تتكرر أمام أعينهم نفس الصور المصلوبة على جدران المدن المنسية فى صحف تواريخك
لازالت تجلس بجوارك وتحكي قصتها بنفس الأحداث المحفوظة
في إدراج عمرك الوظيفي وإلى الآن لم تحفظ اسمها
رغم أنها مدونة فى مفكرتك
لقد مر العمر ولازالت هي لم تتغير فتاة العمل المشغولة بوجودك
رغم غيابك عنها لم تحول رغبتها في أن تسكن يوما قلبك
وإن كان محض خيال فالطريق الذي تسير فيه وتراقبك من خلف عدسات نظارتها السوداء
قد تزاحم عليك غيرها فكانت ترتجف ويعلو شهقتها
ويزلزل لقائك رجفتها وكيانها دون بوح لكن لغة جسدها تفضحها
ولم يعبأ بكل ذلك رغم أنه قد وصله شعورها لكن الأثقال التي كان يحملها على عاتقه
تجبره أن يبرك في مكانه وتتلذذ في أن تراه مستمرا في عجزه وضعفه وقلة حيلته
لقد دخل مكتبه في ميعاده الذي لم يتغير منذ عشرين عاما وجلس على كراسي هموم
فكره الذي أخذه إلى كل ماهو منتظره بعد أن استلم راتبه الشهري
وهو يحلم أن يسدد بعض الديون التي تراكمت على صدره
كحجر يكبر كل شهر ولا ينقص منه شيئ بل يزيد
حتى كاد أن يطبق على أنفاسه
وأخذه عقله وقلبه الحالم على أرجوحة من خياله في قلب بستان
من بساتين الجنة
وتتراقص حوله بالونات تتداعبها أغصان الأشجار
وهي ترقص على غناء البلابل التي تسكنها وفي غمرة هذا الحلم الذي يمر كل شهر عليه
بين النوم واليقظة بأنه قد وقع على كنز من حيث لا يدري
أو أن أموالا نزلت عليه من السماء
لا حصر لها فسدد ديونه بل وزاد في عطائه لأصحاب الديون
نظير صبرهم على ديونه
بل واشترى فيلا في مكان راقي جدا
وأخذ جميع أقاربه المقربين له وأعطى كل واحد منهم بيتا بجواره
وأنشأ شركة كبيرة
ووظف فيها جميع من معه في العمل بأجور خيالية
من باب تعويض حالة الضيق التي يراها كل يوم فيهم
لقد أصبح ثريا جدا جدا ولكن بقدر كبير من التواضع وكسر غرور النفس
فهو لن يكون مثل فلان وفلان
فهو يحب الفقراء والعطف عليهم مهما كانت الظروف
وفي غمرة حلمه دخل زميل له يصرخ بأن راتبه قد سرق ويذرف الدمع
وانطلق أخر يحث الباقي على المساعدة فتقطع شتاتا بين أجزاء نفسه
ثم وضع يده على جيبه ونظر إلى كل من حوله وخرج مسرعاً وكأنه لم يسمع أو يري شيئ
واتجه إلى القهوة التي تجاور العمل حتى يكمل حلمه
وهو يحتسي كوب الشاي الذي تعود عليه مع أوهامه
التي لا تنتهي
الكاتب
وحيد على الجمال
23.6.2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق