نبض نخلة: غربة وحنين

الخميس، 4 مارس 2021

غربة وحنين

غربة وحنين 

أسند ظهره لحائطٍ بعد هرولةِ دامت أكثرُ من ثلاثين دقيقة هارباً
من سخافةِ البشرِ،
بل ضاقتْ عليهِ الأرضَ ولم يجدْ إلا هذا الجدارِ يحميهِ من قسوةِ المجتمعِ
الذي نصبه مهرجٌ رغِماً عنهُ وبالرغم من رفضهِ لهذا الأمرِ
إلا أنهُ لم يجد غير القبول ف هو لا يريدُ إلا حياةً طيبة ك إنسانٍ
وهذا ليس ب الأمر الصعب أوليس هذا من حقهِ،
وقد أخذ شهيقاً طويلاً بعد اللجوءِ للجدارِ الذي شعرَ أنه أحنُّ عليه
من البشر بعد ما أصبحوا يبغضونهُ دون سببٍ
ف نبضات قلب المسكين تكادُ تتكلمُ ب أهربْ..
أهربْ يا رجل ولا تتنظر منهم حناناً نعم لا تنتظر شيئاً
وأعلم أنكَ لن تجني من أحد خيراً،
ف كم أنت منهكٌ من سوء معاملتهم،
وأما أنفاسهُ ف كادت تسبقُ صوتَ القطار المتجه الى لندن،
القطار الذي تمنى أن يقصده كي يذهب لأبيه،
أبوه الذي كان سبب في تحوله من طفلٍ لم يبلغْ الثمانيةَ من عمره الى رجلٍ حمل الهمَّ،
وبالرغم من قسوةِ أبيه معه إلا أن المسكين يفتقدهُ كثيراً ف هو يشعرُ بفقد السندِ
وكم كانت الدنيا قاسية معه ولم يجد غير الوِحدة وغرفته الضيقة التي كانت عنده أوسع من الدنيا،
أما عن صوت القطار ف كان كلما سمع صوتهُ ينخلعُ قلبهُ
وكم تمنى أن يأخذهُ القطارُ تاركاً مدريد هذه إلى حضن أمهِ،
أمهُ التي تحملت وحشية أبٍ تجرد من كل مشاعر الإنسانيةِ،
وتذكر كيف كان قاسي في معاملتها، ولكن
كيف له هذا ف هو لا يملكُ حتى قوت يومه
فكيف الذهاب و العيش في لندن.
وبعد ما تمالك أنفاسه نظر للقطار ساخراً منهُ
سوف أقصدك يوماً ما وسنذهبُ معاً لأمتع رحلةٍ
ولكنه شرد للحظة وانهار باكياً محدثاً نفسه لما كل هذا؟!
أنا لم أفعل شيئاً كل ما تمنيته أن أحيا إنسان ليس أكثر
ألا يكفي حرماني أمي،
ألا يكفي قسوة مجتمعٍ ظالمٍ مع أني لا أريد منهُ شيئاً 
ف ازداد بكاؤه قائلاً:
مسكين أنا حقَّا بالفعل مسكين،
 ولكني لن أستسلمَ وإن كان هذا أخر يوم في عمري،
 ف ترك الجدار ونفخ في الهواءِ أوجاعهُ ورسم على وجهه ضحكة الأوجاعِ
 عسى تتحولُ إلي حقيقة يوماً،
 ومضى يداعبُ الناسَ ف هو المهرجُ الذي حكم عليه بأن يرسم البسمة
 وإن كان يقطعُ من الداخل.
أتجه لغرفتهِ وقد أعلن عن بيع كل ما يملكُ قبل يومين
ف فكرة الذهابِ لأبيه وأمه لا تغيب عنهُ، 
وها قد جاء مشترٍ وأنهى معهُ عمليةِ البيعِ، اتجه بعدها مباشرةً إلي محطةِ القطارِ قاصداً أبيه
 وبعدما وصل إليه طرق الباب ف قام الأبُ بفتح البابِ 
ولم يتفوه إلا بجملة منزوعة من حنانِ الأبِ 
فقال: لما جئتَ أرحلْ وأياكَ أن تأتي،
 بكى المسكين من غلظةِ الأبِ ولم يجد نفسهُ إلا قابضاً على عنقهِ
 ومعهُ سكين قد وضعها في حقيبتهِ ف طعنهُ في قلبهِ ثلاث 
ورسم على وجه بسمةً بالسكين،
 البسمةُ التي حرم منها طوالَ عمرهِ،
 بعدها نظر إليه ونهض وهو يصرخُ وتحولَ الصراخُ ل ضحكة جنونية وخرج للدنيا 
والدمُ على يدهِ وتحول حينها من إنسان مجني عليه والجاني أبٌ لا يستحق هذه الكلمةِ،
 بل تحول من رجل مظلوم ل قاتل وحشي عدو المجتمعِ،
 ومن يومها تركَ الهروب من المجتمعِ وأصبح المجتمعُ هو من يهربُ منهُ.

الكاتب
محمود_أبوزيد_باشا
2/3/2021



هناك تعليق واحد:

هي أمي//الكاتب محمد العكري

هي أمي  سبب وجودي ورفيقتي ومن رسمت طريقي    في هامشي وحياتي  كم عانت لأجلي كم تعبت لتربيتي هي أمي  حبيبتي وَعُمْرِي إنها أنفاسي  وُلدتُ فرحم...